هناك من قرر الموت بشرف في سبيل حرية سورية ووحدتها
مثقفون سوريون من الداخل والخارج يكسرون جدار الخوف:

 

عن القدس العربي

2011-05-04

دمشق ـ باريس ـ لندن ـ خاص: الكاتب ياسين الحاج صالح: انتفاضة شعبية، سلمية، تحركها تطلعات الحرية والكرامة والمواطنة. تتطلع قطاعات واسعة من السوريين إلى التحرر من العبودية السياسية المفروضة عليهم منذ نحو نصف قرن. وهم يواجهون بقمع ساحق من قبل 'السادة' المتحكمين في البلد منذ عقود. هذا هو جوهر الصراع الجاري في سورية اليوم، تمرد 'العبيد' من أجل حريتهم.
أنا منحاز له بكليتي. لدينا قضية عادلة وتقدمية ومتفوقة، هي قضية المواطنة والحرية للسوريين. لا يمنع هذا انتقاد ممارسات أو جوانب من الوعي الذاتي للانتفاضة. بل يوجبه. أقوم بذلك حيثما أتيح لي دون مساس بالمبدأ.
الحل هو سورية الديمقراطية. هذا قد يمر، وقد يقتضي حلولا تفاوضية مع النظام. لكن الشرط المبدئي لذلك هو أن يقود التفاوض إلى مكاسب للشعب السوري ككل، وإلى حريات أكبر وحقوق أكبر. وليس إلى تسوية بين النخب توسع الأوليغاركية المسيطرة فحسب.

عارف حمزة
شاعر

الذي يحصل الآن في سورية هو خروج الشعب لإعادة الاعتبار لدولة القانون والمؤسسات... لذلك فإن مطلبها الأول ليس فقط قانون التظاهر، لأن هذا القانون مكفول بالدستور المعطل، وليس فقط رفع حالة الطوارئ.. بل تفكيك الدولة الأمنية التي نسفت الطبقة السياسية.
لن يعود الناس إلى بيوتهم إلا إذا كانت هناك نية حقيقية وواضحة في الإصلاح من قبل السلطة.. الحل يكون أولا ً بتفكيك الأجهزة الأمنية وسحب سلطات البطش الهائلة من بين يديها.. ثانيا ً إلغاء المادة الثامنة من الدستور كي يكون إصدار قانون للأحزاب له معنى وبالتالي تداول السلطة. ومن ثم كل الأشياء الأخرى تصبح آتية بسهولة.. ونتمنى ذلك رغم أنه غير قابل للتحقق في الوقت الراهن.

حازم العظمة
شاعر

لن يرى أحد هذا الدم المسفوك.. الدماء خبيئة في العروق.. لن يشيح أحد بوجهه.. إلا ليتذكر هذا الدم المسفوك.
..............
الخِسّة صفة الطغاة.. الطغاة طفرة منحطّة طرأت على النوع البشري.. طفرة مميتة آيلة للإنقراض
................
الثورات العربية التي بدأت من تونس هي ثورة واحدة وهذا يفسر انتشارها الذي يبدو طبيعياً تماماً من بلد عربي إلى آخر، ولن تتوقف على كل حال عند حدود العالم العربي، ثم ان هذه الثورات لن توفر أي مكان في هذا العالم العربي مهما بدا 'حصيناً' أو منيعاً.. أو مهما بدا وكأن له خصوصية 'تحميه'.. الأصل المشترك لكل الثورات هو الاستبداد لذا تتشابه هكذا في أدواتها وفي مساراتها
كلما سفكوا الدمَ في مدينة تحررت
كلما أرسلوا فرق القتل إلى قرية أو ساحة أو بلاد قامت عليهم
حتى انسدت أمامهم البلاد
نساء بانياس أغلقن الطريق الدولية.. هذه العبارة ستتردد كثيراً.. كان هذا الرد الساطع على: فتنة، مؤامرة، عصابة.
هذه هي 'المؤامرة'.. وهذه هي 'العصابة': نساء بانياس أغلقن الطريق على العصابة.. وعلى المؤامرة. فايس بوك.

محمد فؤاد
شاعر

ما يحدث هو مجزرة بدم أسود. الصور التي تتناقلها المواقع تفوق قدرة التحمل.. روحي تشرط على امتدادها بسكين مثلوم.. تؤلمني روحي كأنها معلقة بخطاف قصاب تؤلمني كأنها تدق بحجر.. اي جريمة تحدث.. أي روح شريرة تربي الموت كنبات أسود في الشوارع.. حياتنا بالنسبة اليهم كأنها معارة.. كأنها ليست لنا.. كأنها من شأنهم ليفعلوا بها ما يشاؤوا لقد فقد النظام صوابه وقرر بالمقابل أن يفقدنا حياتنا الدماء التي تطرطش امام كاميرات الهواة انصاف الوجوه المبتورة الوجوه التي تتوسل بقية حياة.. اطفال يشحبون على مهل بينما تغادر أرواحهم على شكل احمر لزج كل هذا كأنها لا تعنيهم كأنما عبء ويجب التخلص منه كانما وجدت لتطعم شهية السلطة المفتوحة على القتل.. تنمو شجرة الموت السوداء سريعا ولم يعد في هذه الغابة الداكنة سوى طريق وحيد. فايس بوك.

طه خليل
شاعر

ما يجري في سورية ما هو إلا رد طبيعي ـ وان كان قد تأخر حتى حريق بوعزيزي ـ على حالة التهميش المرعبة التي يعيشها الإنسان السوري منذ عشرات السنين، ما يقارب الخمسة عقود ونحن نعيش في حالة رعب وارتياب وشك وخوف من الغد.. لم نعش يوما بشكل طبيعي منذ ولادتنا.. لم نحب.. لم نتزوج.. لم ندرس.. لم ننم.. إلا وكانت هراوة رجل البوليس تمتد أمام أعيننا.. حتى صار أكثرنا لا يشعر بأي انتماء إلى هذه الأرض.. كما لو أنها تعني أناسا آخرين.. حتى خدمة العلم سميت عندنا رسميا: الخدمة الإجبارية.. وقس على ذلك.
جاء جيل آخر.. لم ينتم لأحزاب تافهة (كما حدث معنا) لذلك بقي بعيدا إلى حد ما عن هراوة السلطة.. واستطاع أن يتواصل مع العالم.. وعرف.. وأدرك أن الحياة ـ حياة البشر ـ ليست كما هي في بلاده.. فكان أن أشعلها بوعزيزي في تونس.
ما يحدث الآن هي نهضة عربية شاملة لا تقل عن النهضة التي بشر بها الكواكبي والطهطاوي ومحمد عبده وغيرهم.. سيكون هناك دم كثير للأسف.. لكن هذا الجيل قد اختار أن يموت بشرف.. انا على يقين ان سقط الثوار الشباب فلن تقوم لهم قائمة بعد الآن.. وان سقط الطغاة فإنهم لن يتحكموا برقاب البشر مرة أخرى على هذه الأرض.

صالح دياب
شاعر

وحدة، حرية، اشتراكية، مقاومة، ممانعة، مواجهة، صمود، تصد، شعور قومي، عزيمة الأمة، توازن استراتيجي إلخ. كلمات سادت وطغت وما زالت مستخدمة على لسان النظام السوري، قرابة خمسين عاما. تكشّف من يزاود على الشعب بهذه الشعارات والكلمات على شكل شبيحة وبلطجية وفرق موت وقناصة يعتلون اسطح المؤسسات ومنارات الجوامع وخزانات المياه ويقنصون الناس العزل ويجزّرون بهم.
شعارات كشفت عن تقعرها وفراغها. كذب يتبعه كذب وتمثيليات تضحك حصانا. وتلفزيون يبث الطائفية والتفرقة الوطنية. لكم بدا النظام مكشوفا على النقيض من كل شعاراته التي قام عليها طيلة عقود. المتظاهرون الذين اسقطوا جدار الخوف. أول مطالبهم كان الحرية والانعتاق من الذل.ثم طالبوا باسقاط النظام. لقد ذل الشعب طيلة عقود وعاش في شعارات أكاذيب أراد النظام تحويلها إلى حقيقة، لكنه طيلة هذه السنين لم يفلح في تحويلها إلى يقين.
منذ الأيام الأولى بدا النظام مكشوفا اعلاميا وهو يتهم المتظاهرين اتهامات لم تثبت حتى أربعا وعشرين ساعة ليتحول إلى اتهام آخر. فشل الناطقون باسمه في تبرير وحشية القتل العشوائي الأعمى، فاستعان بمرتزقة لبنانيين أمثال ناصر قنديل وشقيقه ووئام ورهاب ورفيق نصر الله وميشيل سماحة وأمين حطيط وأحمد أصفهاني وسواهم، كي يفبركوا روايات المخططات والمؤامرات. لكنه لم يفلح إلى أن كشف عن أسنانه بأنه يريد ابقاء الخوف في قلوب السوريين. ولكن كيف وقد سقط هذا الجدار؟ الأفلام التي وصلت وتفصح بشكل لا لبس فيه عن وحشية وفجارة في قتل السوريين كانتا تردمان أي ثقة موجودة به وأية آمال يمكن أن تعقد عليه. قمعه للسوريين وحّدهم في كل مدنهم. ووحد مطالبهم ليس في اسقاط قانون الطوارئ واللعب على السوريين بقوانين مشابهة. بل في إسقاط النظام الأمني المتسرطن في المجتمع السوري وتجلياته الاقتصادية والسياسية من جذوره. الشعب السوري يريد حريته المنتهكة، وتحويل سورية بلدا مدنيا ديمقراطيا لكل السوريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية، وليس لحزب بعث له حضور شكلي، قناعي، بينما من يحكم حقيقة هم المخابرات والأجهزة الأمنية. النظام يريد إبقاء منظومته الأمنية الشمولية البوليسية وسحق الشعب الأعزل بدباباته التي أرسلها إلى المدن، وليس إلى الحدود، حيث العدو وليس الاستماع إلى الشعب الذي طالما تغنى باسمه واقامة التغيير السلمي الديمقراطي. تجارب الشعوب أثبتت أن ذلك لا يمكن أن يتم.

خولة دنيا
كاتبة

يبدو أن ما تمر به سورية ما يزال يشق طريقة في ضبابية اللحظة الحالية، فمع تزايد عدد الضحايا يوماً بعد يوم وجمعة بعد أخرى، فإن المشهد لا يعد بحل سريع أو هادئ لما يجري.
فاختيار السلطة السورية الحل القمعي منذ البداية والاستمرار باستخدامه أفسح المجال لاتساع رقعة الاحتجاجات في أنحاء سورية كافة.. مما عقد إمكانية الحل، خاصة وأن ما قدمه الرئيس لم يكن على قدر الحدث.. فانعدام الثقة بين السلطة والشعب اتسع بشكل كبير، وكذلك اتسع بين الموالين والمعارضين، وعلى الرغم من دعوات بعض المثقفين السوريين للتهدئة غير أنها لا يمكن أن تجد أذناً صاغية، خاصة أنها موجهة للشعب والمتظاهرين أكثر مما هي موجهة للسلطة نفسها.. هذه السلطة التي ما زالت لا تعترف بالحقائق وباستخدام العنف ضد المتظاهرين.. وما تزال تلوم جماعات مسلحة وأخرى سلفية على استغلال الوضع وتأجيج الأزمة.. على الرغم من معرفة الجميع أن سورية دولة أمنية بامتياز ولديها أكبر الأجهزة الأمنية في المنطقة..
بداية الحل لا يمكن أن تتجلى إلا بالاعتراف بالحقائق والمصالحة مع الشعب.. كخطوة أولى تليها مجموعة من الإصلاحات الحقيقية والجذرية التي تهيئ لتغيير حقيقي في البلد ينتقل بسورية إلى دولة مدنية وديمقراطية.. وهذا ما يبدو صعباً على السلطة السورية تقديمه لحد الآن.. وحتى على الاعتراف به.
وما زال الخيار القمعي هو السائد، مما يخشى به على سورية من دخول نفق مظلم من الاقتتال والفوضى.

مرام المصري
شاعرة

أؤمن بان الاستيقاظة العربية التي لحقتها السورية ما هي الا نتيجة حتمية للقمع وللتعذيب والاستهانة بحقوق المواطن دولة لا حقوق فيها، الرشوة والسرقة والتعسف والظلم، والأكثر من هذا الخوف، الخوف، لا احد يجرؤ ان يقول كلمة، سلطة مطلقة.
بالطبع. انا سعيدة وفخورة على الرغم من حزني على من ماتوا على من تعذبوا، اشعر بألم أمهاتهم، اعرف انه من السهل ان نكون ثوارا خارج الميدان وراء شاشاتنا وفي ساحات البلاد الديمقراطية ولكن حتى الأدوار الصغيرة مهمة،
الحل؟
التوقف تماما عن اطلاق النار على المتظاهرين لو كنت الرئيس لطلبت السماح من شعبي وأعلنت تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات حقيقية آن الأوان

تمام تلاوي
شاعر

أطفال سورية يرسمون الآن مستقبلهم بأيديهم وبأجسادهم وبدمهم. هذا ما لمحته منذ اللحظة التي كتبوا فيها كلمة 'حرية' على جدار مدرسة في درعا حتى اللحظة التي استلقوا فيها بأجسادهم العارية أمام الدبابات في بانياس. ريح الحرية التي نفثها محمد بوعزيزي من تونس نفخت الروح في أمة ميتة فقامت قيامة غريبة ومفاجئة لم يكن يتوقعها أشد المتفائلين في عالمنا العربي بنهضة عربية جديدة قادمة.. ما يحدث الآن في سورية ليس سوى نزعة شعبية تحررية فطرية نحو الحرية، وضد الفساد وضد القمع وضد الفقر وضد الجهل.. هي نزعة إنسانية تاريخية تطورية طالما رأيناها تبزغ في فترات مختلفة عبر التاريخ هيأت لانطلاق شرارتها عوامل عديدة زمانية ومكانية وظروف ملائمة أنضجتها على نار هادئة. علمنا التاريخ أيضا أن لا قوة تستطيع التغلب على إرادة الشعوب مهما بلغت درجة بطشها. لذا أرى أن سورية الآن وبقية الدول التي تحركت شعوبها ذاهبة حتما إلى عصر جديد أكثر سعة وحرية وعدلا وأمانا مهما كان الثمن باهظا ومهما استغرق ذلك من وقت، ولن تعود مطلقا إلى الوراء. هناك وعي جديد تشكل لدى الشعوب، وأمل جديد يبرق في عيون أبنائها حل محل اليأس المزمن الذي أصابها عبر عقود من الترهل الإداري والسياسي. هناك صوت جديد يعلو، وصدور عارية تتقدم في وجه فوهات البنادق بإيمان قوي بالحرية، وبعزم لا يلين تجاه فجر جديد، وبعناد طفولي شديد البراءة وبالغ النقاء والصدق. إنها سورية الغد.. وإنهم أطفالها الشعراء الذين يكتبون قصيدة المستقبل على مقاس أحلامهم...

روزا ياسين حسن
قاصة

رعب الأقليات، الذي يتبدى واضحاً يوماً عن يوم، ظل النظام يربيه منذ أربعين عاماً وحتى اليوم. وهذا الربيب الوفي، الذي يعوّل على غريزة البقاء الأقوى في داخل الإنسان، خرج اليوم بطريقة مثيرة للخوف. حتى أنه صار مألوفاً أن أرى صديقي العلماني سواء أكان (علوي النسب أو مسيحياً أو حتى درزياً)، وهو الذي ظل طيلة حياته معارضاً شرساً، أن يطالعني اليوم بأنه مع بقاء الأمور على ما هي عليه لأن هذا: (أكثر أماناً!). وكي لا يأتي السلفيون ويحولوا حياتنا جحيماً! ولا يمنع أن يتهم مناصري التغيير بالخيانة!! ويتناسى خلال لحظات حلم الدولة المدنية حيث يمارس كل سوري، أياً كانت طائفته ودينه وعرقه، شعائره بكل حرية، ويغيب حلم الدولة الديمقراطية الذي عمل من أجله لسنين ودفع من أجله الأثمان.
يتناسى كل هتافات الوحدة السورية التي تعمّ التظاهرات في كل سورية ولا يرى إلا شيخاً ملتحياً يلقي مهاتراته على إحدى الفضائيات. مع العلم أنه يعترف بأن الشارع السوري شارع غير متعصب!
يتناسى مئات الشهداء العزل، العزل بالتأكيد، في شوارع وساحات سورية والذين قتلهم النظام ولا يقتنع إلا بالجماعات المسلحة وبمؤامرات الخارج وألعاب الإعلام الرسمي، مع العلم أنه بقي طيلة حياته يسخر من تفاهات هذا الإعلام ولامصداقيته.
لا تطمئنه كل المظاهرات التي خرجت في سلمية والسويداء وقطنا (المظاهرات مختلطة الطوائف)، ولا رؤيته للكثير من التظاهرات الرائعة المشابهة في اللاذقية ودمشق وحمص وغيرها، ولا يرى إلا مناطق صغيرة (توجد في كل دولة من دول العالم) استفز العنف الفظيع الممارس عليها تعصبها وعنفها، وربما كانت السيناريوهات المشبوهة والمعدة فيها تختلف عن كل ما تم نشره.
صديقي (من الطوائف الأقلوية) أرجوك استيقظ وامسك بيد أخيك السوري كي نبني دولتنا الجديدة سوية.
صديقي (الإنسان) أرجوك استيقظ ولا تجعل دماء السوريين تهون عليك في لحظة عماء.
صديق (العلماني) أرجوك استيقظ كي لا يذهب حلم عمرك من غير رجعة. فايس بوك.

منذر مصري
شاعر

لم يكن فقط، حنيناً، لم يكن فقط تعلقاً عاطفياً بالمكان، بالذكريات، بالطفولة، أن لا أغادرها إلا نادراً، أن لا أجد طعماً للعيش بعيداً عنها، أن لا أجد معنى لحياتي سوى فيها وبين أهلها. أن أشعر أنها مضيعة للوقت، الأيام التي أقضيها، مكرهاً أم راضياً، بعيداً عنها، لأنها يوماً لم تخذلني، ولأنها دائماً كانت تتقدمني وتشد بي إلى الأمام، إلى أن أكون شخصاً أفضل مني. للمرة الثالثة في حياتي تكون لاذقيتي عند حسن ظني، وتثبت وطنيتها وإنسانيتها، لا أدري كم تقدم فلذات كبدها، أبناؤها الشباب، أرواحها الفتية الزرقاء، في سبيل حرية سورية كلها وكرامة أهل سورية كلهم.

عمر ادلبي
شاعر

ما يحصل منذ منتصف الشهر الماضي هو حرب يشنها النظام على شعب قرر أخيرا أن الوقت قد حان للانتفاض على واقع إذلاله والاستهانة بكرامته واستلاب حقوقه، ولأن نظام الاستبداد والفساد في سورية يظن أنه فوق المساءلة شعبيا، باعتبار أنه فعل كل ما يستطيع طوال خمسة عقود لإرهاب الشعب، فإن هذا النظام الذي تديره وتفكر له عقول أمنية اعتادت الإجرام، تأكد في لحظة انتفاض الشعب على خوفه، أنه مهدد في وجوده، ولهذا فإنه يخوض الآن حربه من منطق أكون أو لا أكون، وهذا ما يفسر نوعية ومدى سلوكاته العنفية الإجرامية في وجه من خرج يقول سلميا: كفى.
و هذا ما يفسر أيضا اعتماده في خطابه الإعلامي لغة تساهم جديا في دق اسفين في بنية المجتمع السوري المتنوع طائفيا ودينيا وعرقيا، لإجبار السوريين على القبول بأمان تحت القمع، ما دام الخيار الآخر هو نذر حرب أهلية، وهي محاولة مكشوفة، نعم، لكنها تركت في النفوس آثارا يخشى معها على وحدة وطنية هشة، مضبوطة في الظاهر: وتمور في العمق هواجس ومخاوف واحتقانات لا ينكرها إلا المكابر، ولا يتسع المقام هنا للبحث في أسبابها، مع التأكيد أن أحد أهم هذه الأسباب هو ممارسات النظام..