العار لمجوعي شعبنا وقتلته
رشاد أبوشاور
كل عبارات التفجّع والأسف لا تجدي، فالذي يحدث
في شوارع غزّة، وخان يونس، ورفح، ورام الله، وبيت لحم، وجنين، وأريحا، ونابلس،
والخليل..غير مصادف، فبذوره الشريرة زرعت بالتصريحات التي أطلقت عشيّة ظهور نتائج
الانتخابات التشريعيّة، كهذا التصريح: من العار علي فتح أن تشارك في حكومة وحدة
وطنيّة مع حماس..
لم يكن هذا الكلام الاستعدائي مجرّد رّد فعل، ولكنه كان بداية فعل...
منح شعبنا الفلسطيني حماس فوزاً كبيراً لتحقق أمرين: القضاء علي الفساد، وتصحيح
مسيرة (أوسلو) التي ضيّعت الأرض ودمرّت كل جوانب الحياة الفلسطينيّة.
تبيّن أنه لا فرصة لنجاح حكومة حماس في تحقيق تقدّم في محاسبة الفاسدين ووضع حّد
للفساد، أو تصحيح مسيرة (أوسلو) التي بموجب الاتفاقات استتبعت الاقتصاد الفلسطيني (لإسرائيل)،
وأبقت المعابر والضرائب تحت سيادتها، وأبقت الأسري في السجون، وجعلت الضفّة والقطاع
مناطق مقطّعة الأوصال.
سياسة معاقبة الشعب الفلسطيني علي خياره الديمقراطي بدأت من حيث يمكن إيلامه، فجيش
الموظفين بلا رواتب، والعمال حرموا تماماً من العمل وراء الخّط الخضر، والأموال
التي يتّم التبرّع بها منع عبورها عبر البنوك بحجّة أنها ستصل إلي الحكومة (الحمساويّة)
التي تعتبرها الإدارة الأمريكيّة إرهابيّة إلي أن تعترف بالكيان الصهيوني،
والاتفاقات الموقّعة معه، أي تتخلّي عن مبادئها، وتخذل من انتخبوها، وتصير داجنة.
الحلف المكشوف: الأمريكي، الإسرائيلي، العربي الرسمي، طاقم السلطة، أمعن في تجويع
الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وأنشب مخالبه في معد الشعب الفلسطيني، ومع تفاقم
المعاناة اليوميّة، كان (نجوم) الفضائيات من (رجالات) السلطة، يوجهون اللوم لحكومة
حماس، ويحملونها مسؤولية المعاناة، ويتهمونها بالفشل والعجز، مصعدين من هجماتهم
الإعلامية التحريضيّة.
كان طبيعيّاً أن ينزل الجوعي إلي الشوارع، وأولهم المعلمون، وموظفو السلطة، وأن
يطالبوا برواتبهم، فهم صبروا مع أسرهم، ولا حل يلوح لهم في الأفق...
رّد فعل الحكومة كان عصبيّاً، فهي اعتبرت أنها مستهدفة، في حين أن الاحتجاجات يجب
أن توجّه لمن يحاصرون الشعب الفلسطيني، وفي هذا المنطق حّق، وإن كان أسلوب المعالجة
خاطئاً.
جماعة السلطة الذين تهددت مصالحهم منذ ظهرت نتائج صناديق الاقتراع، لم يقبلوا بحكم
الشعب، هم المتشدقون بالديمقراطية، وجدوا أن سياسة التجويع أعطت نتائج لصالحهم،
فأمعنوا في استثمارها بدلاً من الإسهام في حلّها، لأنهم في جوهر تفكيرهم وسلوكهم
اعتادوا علي النظر للشعب علي أنه مطيّة يصعدون عليها.
رغم وعد رئيس السلطة بعد التبشير بحكومة وحدة وطنية بصرف الرواتب علي أبواب (رمضان)،
صار الوعد سراباً بعد لقاء الرئيس الذي فضحته (يديعوت أحر ونوت) مع القنصل
الأمريكي، ومن بعد لقائه بالرئيس الأمريكي وكوندوليزا رايس، اللذين أفهماه بأن صرف
الرواتب يعطي نقاطاً لحكومة حماس...
الانفجار كان متوقعاً، ومن يرون في تجويع الشعب الفلسطيني لعبة سياسية، حتي لو أدي
الجوع لانتحار فلسطيني عجز عن تأمين رغيف الخبز لأسرته، لا يؤرّقهم البتة أن تندلع
(شوية) اشتباكات تسهّل سقوط الحكومة التي مازال بعض وزرائها أسري سجون الاحتلال،
فالمهم الهدف بغّض النظر عن الوسيلة وانحطاطها (الميكافيللي) المتفشّي في الحالة
الفلسطينيّة السياسيّة منذ زمن بعيد...
ما رأينا من شراسة في القتال في شوارع غزّة، وما نقلته الفضائيات، كان التعبير
الأكثر انحطاطاً عن سياسة تعبئة وحقن، ولم يكن صراعاً بين جوعي ومجوعيهم، فالعنوان
خاطئ، ورصاص الجهل قتل مواطنين فلسطينيين يدّعي المتحاربون أنهم يمثلونهم!.
إنزال القوّة التنفيذيّة لمواجهة عناصر الأمن هو خطأ صريح، حتي وعناصر الأمن
يخرّبون، فالحري أن يوضع سلوكهم أمام القانون، وأن ينبّه الشعب إلي ما يفعلونه بدفع
من السلطويين المشاركين في مؤامرة التجويع، وذلك لتفويت الفرصة علي من دفعوهم،
وحقناً للدم الفلسطيني.
في اليوم التالي رأينا من يفرضون علي الناس أن يضربوا، وبقوّة السلاح، والهراوات،
يقلبون بسطات الخضار في سوق بيت لحم، يرهبون أصحاب المتاجر حتي إنهم قتلوا تاجراً
رفض الخضوع لبلطجتهم.
في أريحا جرحوا ستة وقتلوا مواطناً علي مقربة من سجن أريحا، الذي أخرج منه السجناء
وعشرات رجال الأمن الذين لم يدافعوا عن أنفسهم، وهم يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم،
وبالملابس الداخليّة، وقد القوا سلاحهم!...
إضراب بالقوّة ـ أهذه هي الديمقراطيّة! ـ وقتل من يرفض، واختطاف وزراء إلي جهات
مجهولة، ينفّذه من اعتادوا الفلتان الأمني، وفرض الخوات، الذين شكّلوا حالة
إنكشارية مخزية، فقد رأيناهم يظهرون في المدن قطعاناً للاستعراض، وعند اقتراب
لاندروفر للاحتلال يختفون وكأن الأرض انشقّت وابتلعتهم!.
قبل يوم واحد من انفجار الاقتتال ظهر أحد الإعلاميين السلطويين علي فضائية الجزيرة،
وقال مخاطبا أحد ممثلي حماس:
ـ أنتم انتخبتم قبل عشرة أشهر ـ زاد المدّة شهرين تقريباً، من قبيل المبالغة التي
اعتادها وأمثاله ـ وفشلتم في حل المشاكل...
لم يطرف له جفن، وهو يظن أنه يحرج ممثل حماس، فهو ينسي أنه من طاقم أوسلو الذي بقي
في السلطة 13 عاماً ـ يا للرقم المشؤوم ـ وجلب كل المصائب: ضياع الأرض، دمار
الاقتصاد، بقاء ألوف الأسري في المعتقلات والسجون، الفساد المالي والأخلاقي، تفشّي
الحواجز التي أذلّت الفلسطينيين وأتلفت حياتهم..وفقط ليتمتّعوا هم ببطاقات الـ VIPو
يفوز ذووهم بالتسهيلات لعقد صفقاتهم التجاريّة.
ما العمل ؟!
هذا السؤال (اللينيني) أطرحه تحديداً علي قادة حماس، لأنني، وربّما يشاركني بعض
الفلسطينيين، أري أن حكومتكم لن تتمكّن من إيقاف المفسدين عند حدّهم لأنهم هم قادة
السلطة ورموزها، وهم (ربّوا) مجموعات غاشمة مضللة، ولن تغيّروا في مسيرة أوسلو،
والجوع سيستفحل، والجوع كافر، والمال لن يصل، فالبنوك ترتعب من العقاب الأمريكي،
وأنتم لن تعترفوا بـ(إسرائيل) ومعكم حّق واستطلاعات الرأي المحايدة تعطي موقفكم
دعماً شعبيّاً أصيلاً رغم لؤم سياسة التجويع.
إنني أسألكم: لماذا لا تتخلّون عن الحكومة، وتتركوا المأزق الكبير للسلطويين
الأوسلويين، فهم وإن حلّوا مشكلة الرواتب، سيغرقون في مسيرة الفشل، ولن يرحمهم
شعبنا ؟
لقد سمعتم ما خاطبت به وزيرة خارجية الكيان الصهيوني جمعية الأمم المتحدة: لا عودة
لحدود حزيران 67..وحتي لو لم تقل هذا، فماذا بقي من أرضنا لإنشاء دولة عليه ؟
فوّتوا الفرصة علي مؤججي نار الاقتتال الداخلي، وغادروا سلطة محكومة بالفشل،عودوا
إلي الشعب والمقاومة...