حوار في الشأن السوري...

ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن - العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2

أسئلة ريتا فرج

 


• المعارضة السورية تتجه الى الاجتماع في تركيا أواخر الشهر. ما هي قراءتك لهذه الخطوة؟ وهل لديكم معلومات عن جدول أعمال المؤتمر؟ والى أي حد يدعم
المعارضة على مستوى الاطار الجامع؟
معارضون سوريون، وليس المعارضة السورية، هم من يعتزمون عقد المؤتمر المشار إليه في السؤال. والغرض فيما يظهر هو توفير إطار سياسي داعم للانتفاضة في الداخل. وهذا مسعى محمود من حيث المبدأ، لكنه يعاني من ثغرات خطيرة تقلل من أثره المحتمل. أهمها أن أياً من الداعين للمؤتمر والمشاركين لا يحظى بقدر كاف من الاعتراف به والإجماع حوله. الواقع أن بعضهم إشكاليون جدا، كأشخاص وكدور وكخطاب. وكانت مساهمتهم في إثارة الشقاقات داخل الطيف المعارض التقليدي أكبر من دورهم في لأمها أو الحد منها. ومن ليسوا إشكاليين بينهم لا يتمتعون برصيد سياسي وأدبي مهم في الداخل. وتقديري بأن الخطوة ككل مرتجلة وغير مدروسة، وأن من المحتمل للمؤتمر الذي لا علم لي بجدول أعماله أن يكون مناسبة لمزيد من الشقاق والتمزق. ومن المستبعد، تاليا، أن يسجل إضافة إلى فاعلية المعارضة، بل ربما شكل خصما منها.
لكن هذا لا يعني أنه سيكون سلبي الأثر بالضرورة على الانتفاضة. للانتفاضة دينامية اجتماعية وسياسية وأخلاقية مختلفة، مستقلة عن منازعات وانقسامات المعارضة التقليدية، وتأثير هذه الإيجابي أو السلبي عليه محدود.
• ماذا عن السياق التنظيمي للمعارضة؟ وهل هناك توّجه لتأسيس مجلس انتقالي يسد أي فراغ سياسي محتمل؟
ليس هناك متن جاذب للمعارضة السورية في السنوات الأخيرة. كان ائتلاف "إعلان دمشق" الذي تشكل في خريف 2005 أقرب شيء إلى هذا المتن، وقد ضم يساريين وليبراليين من المعارضة الداخلية، وعددا من التنظيمات الكردية، وانضم إليه حينها الإخوان المسلمون أيضا، وشخصيات مستقلة معروفة. لكن تطورات متنوعة أضعفته، وأفقدته دوره كمتن جامع. هذا أدى إلى تفلُّت أو تخلخل الطيف المعارض، وظهور أفراد غير مجربين وغير موثوقين أحيانا، بعضهم "زعران"، وكذلك مجموعات لا تقاليد لها، ولا تنضبط بمبادئ فكرية وسياسية واضحة.
في التداول كلام غامض على مجلس انتقالي، لكن لا شيء ملموسا بحدود ما أعرف، وربما لا يملك أحد من الشرعية ما يكفي للإقدام على خطوة كهذه. وهي ليست ضرورية أو لازمة الآن على كل حال. الأولوية للانتفاضة واستمرارها واتساع نطاقها، ثم لتوفير إطار سياسي داعم لها في الداخل. هذا ما يستحق أن تبذل الجهود من أجله في رأيي.
• الحركة الاحتجاجية في سورية تبدو الى حد ما عفوية. هل هناك دور للمعارضة في تنظيم حراك الشارع؟
ليست عفوية. لها تنظيم ذاتي أنتجته هي تدريجيا، يتمثل في "لجان التنسيق المحلية". لكنها دون إطار سياسي جامع، ودون وحدة إيديولوجية. هذه سمة الثورات العربية عموما. المعارضة الداخلية، "إعلان دمشق" بخاصة، مساند للانتفاضة، التي لم يعترض عليها أي تنظيم معارض. وناشطو الإعلان داعمون لها بصيغ متنوعة، أو مشاركون فيها. لكن ليس هناك تيار سياسي محدد يقود الانتفاضة. هذا، بالمناسبة، يمنحها انتشارا أفقيا أوسع، ويحد من تأثير نقاط ضعف المعارضة التقليدية عليها.
• ما هو تفسيرك لتأكيد الرئيس بشار الأسد على تظهير الحركة الاحتجاجية على أنها ذات خلفية سلفية؟
يجب أن أقول بداية أو نسبة الانتفاضة السورية إلى السلفية أو الأصولية اختلاق محض، لا أساس له من الحقيقة. من هم هؤلاء السلفيون الذين لا يصدرون بيانا يقولون فيه ماذا يريدون، أو يطلقون تصريحا يعبر عنهم، أو ينشئون موقع إنترنت يُعرِّف بهم؟ كانت منظمة القاعدة ناشطة في مجال الإعلام بقدر لا يقل عن نشاطها "الجهادي". وكان للإخوان المسلمين السوريين مجلة أيام مواجهتهم للنظام بين أواخر سبعينات القرن العشرين ومطلع ثمانيناته، حين كانت مسائل الإعلام والاتصال أشد صعوبة بكثير مما هي اليوم. وكانوا لا يكفون عن إصدار البيانات المعبرة عن مواقفهم والمعلنة عن أنشطتهم العسكرية والسياسية. اليوم لدينا تيار سلفي مزعوم، يقيم إمارات سلفية متعددة في درعا وحمص وبانياس، لكنه لا يصدر تصريحا واحدا، ولا يقول ماذا يريد! لماذا هو أبكم إلى هذا الحد؟ لأنه، بكل بساطة، غير موجود!
فلماذا، إذن، يصر النظام على اختلاقه؟ لثلاثة أسباب. أولا لتسويغ سحق الانتفاضة بالقوة، الأمر الذي لا يمكن تبريره طبعا لو أقر النظام بأنه يواجه احتجاجات شعبية سلمية. ثانيا لبيع القمع المنفلت في البلاد للأميركيين بوصفه مواجهة لإرهاب إسلامي، ومحاولة صنع وحدة حال مع الغرب. ثالثا لإثارة التوترات والمخاوف الطائفية بهدف تصليب القاعدة الاجتماعية للنظام في مواجهة الوحش السلفي الذي "سيذبحكم" إذا خرجنا "نحن" من السلطة. إنها سياسة التخويف والتفريق من أجل السيطرة.
• كيف قاربتم العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على الرئيس بشار الأسد وقيادات النظام؟ وهل تتوقعون انتقال الملف السوري الى مجلس الأمن؟
أقدر أنها مزدوجة الأهمية. من جهة، تقيد حرية الحركة الاقتصادية والسياسية والشخصية للنظام ورجاله في أوربا، علما أن فؤادهم هناك، وليس في طهران أو في الضاحية الجنوبية أو غزة، أو في أي مكان آخر. لكن الأهم أنها تعزل النظام عن "الخارج"، الذي يفضل (النظام) أن يلفت انتباهه وينال اعترافه، ويقيس قيمته ووزنه بكثافة اتصالاته معه. النظام السوري مثال لـ"الدولة الخارجية" التي يثير تدهور علاقاتها مع الخارج اكتئابا عميقا فيها. وبخاصة حين يتعلق الأمر بالمركز الغربي، ومركز المركز الأميركي. لذلك، بلى، العقوبات مؤثرة، ومن شأن استمرارها أن يدفع النظام فعلا إلى تغيير سلوكه، وهو ما تطلبه القوى الغربية حتى الآن.
وحتى الآن يبدو أن الموقف الروسي هو ما يحول دون تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن، رغم إعلان الأوربيين عزمهم القيام بذلك. هل سيغير الروس موقفهم على نحو ما فعلوا بخصوص ليبيا؟ ليس هذا ظاهرا بعد، لكنه لن يكون مفاجئا.
• برز انموذجان في تعاطي المجتمع الدولي مع الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، واحد يُقدم على الضغوطات من بعد وآخر عبر التدخل العسكري. في أي اتجاه يسير الوضع السوري؟
لا أظنه يسير باتجاه التدخل العسكري حتى لو حصل أن أدان مجلس الأمن النظام السوري. لا أحد في سورية أو في العالم العربي يرغب في تدخل عسكري، ولا دافع لدى القوى الكبرى لفعل ذلك. ومن شأن احتمال كهذا أن يكون نكسة لتطلع الانتفاضة السورية الكبرى إلى سورية جديدة قائمة على الحرية والاستقلال، لا مكسبا لها. الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية على رجال النظام مفيدة، وأقدر أنها يمكن أن تكون مثمرة في الحالة السورية أكثر مما في حالة العراق أيام صدام وفي حالة ليبيا القذافية.
• ما هي مقاربتك لموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من الأحداث في سورية الذي أدلى به في خطابه الأخير؟
شخصيا، شعرت بالغضب والإهانة. أستطيع أن أفهم أن لا يؤيد حزب الله الانتفاضة السورية، ولا أنتظر منه أن يقف إلى جانبها، لكن ما لا يغتفر في نظري أن يقف نصر الله إلى جانب النظام وأن يدعو السوريين إلى الحفاظ عليه، بعد شهرين ونصف من الانتفاضة، وبعد فوق 1100 شهيد، وبعد تعامل وحشي مع السوريين لا يعقل ألا يكون نصر الله رأى أمثلة وفيرة عليه. أن يدعو "السيد" المقتولين إلى الحفاظ على النظام الذي يقتلهم أمر يدعو إلى الاحتقار. ولقد جاء الرد سريعا. بعد يومين أحرق متظاهرون سوريون في البوكمال صور نصر الله. وامتلأت صفحات الفيسبوك بتعليقات مزدرية له ولحزبه، من قبل أناس كانوا أقرب إلى تأييد الرجل وتفهم مواقف الحزب من قبل.
• صحيفة الوطن السورية أشارت الى تقاطع العقوبات على السورية مع اجراءات اخرى يمكن ان تصدر عن هيئات دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمحكمة الخاصة بلبنان. ما هو تفسيركم لذلك؟ وهل يمكن أن تتجه سورية باتجاه كوريا الشمالية كما أشارت الصحيفة ايضاً؟
نعم، هناك إشارات على احتمال ضغوط أكبر تستهدف النظام من جهة الملف النووي أو المحكمة الخاصة بلبنان. في هذا توظيف انتهازي غير مستغرب من قبل القوى الغربية لملفات أخرى كانت مركونة على الرف، أو متروكة مؤقتا، بغرض مزيد من عزل النظام والضغط عليه. لكن لن أهدر ذرة من الانفعال على هذا التوظيف الانتهازي للقانون الدولي. بخاصة أن الضغوط الدولية تصاعدت على النظام بمبادرة من منظمات حقوقية وهيئات مدنية ووسائل إعلام، ولأسباب تتصل بتعامل النظام الهمجي مع محكوميه. لدينا نظام ليس انتهازيا فقط، وليس بلا مبدأ فقط، بل هو دموي أيضا. ولا نستطيع الاستناد إلى نظام يقتلنا لنقد منطق دولي غير مستقيم. هذا مركب الممانعة، ونحن السوريين أعرف الناس بأنه مركب الفاسدين القامعين الكاذبين.
يتجه النظام إلى كوريا الشمالية؟ أنعم وأكرم! أظن أن في قول جريدة رامي مخلوف كلاما هاذيا كهذا يدل على إمعان النظام في الانفصال عن الواقع، وعلى استعداده لفعل كل شيء كي يحتفظ بالسلطة. كوريا الشمالية بلد لا يطيق مسؤول سوري زيارته أو العيش فيه، أو طبعا توزيع أرصدته على بنوكه. لكن ربما حالة العزلة والنبذ تثير شعورا بوحدة الحال مع ذلك النظام التعيس. فالطيور على أشكالها تقع!