المناضل العربي الكبير الأستاذ عبد الحميد مهري

فقيد الشعب الجزائري والأمة العربية جمعاء 


 

 

تلقينا ببالغ التأثر والحزن نبأ رحيل المناضل العربي الكبير الأستاذ عبد الحميد المهري الذي  وافته المنية ظهر الإثنين 30/01/2012، بمستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة، عن عمر يناهز الـ 85 سنة بعد معاناة مع المرض.

    كان الأستاذ عبد الحميد مهري من أهم الشخصيات السياسية الجزائرية، التي شاركت في النضال ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر، منذ شبابه الأول، وقبل اندلاع ثورة أول نوفمبرالتحريرية سنة 1954 ، وقد أنيطت به  مسؤوليات هامة في الهيئات القيادية للثورة ( المجلس الوطني للثورة الجزائرية، مجلس التنسيق والتنفيذ الحكومة المؤقتة ) ، وبرز دوره الطليعي أثناء الثورة حيث وضع المشروع التحرري الوطني ، الذي عرف باسمه (مشروع مهري)، لمواجهة المشروع الاستعماري (مشروع ديغول)، وقد أثبت الشعب الجزائري بكفاحه وتضحياته العظيمة تفوق المشروع الوطني التحرري الإنساني ، فانتزعت الجزائر استقلالها وفرضت سيادتها  عبر ثورة تعتبر بحق من أعظم الثورات الشعبية  التحررية في القرن العشرين.

  كرٌس  المناضل عبد الحميد مهري كافة طاقاته من أجل انتصار الثورة،  وكانت مساهماته كبيرة في حشد وتنظيم وتنسيق نضالات الجماهير في مختلف أقطار المغرب العربي التي انتفضت  ضدّ الاحتلال الفرنسي مطالبة  باستقلال هذه الأقطار ووحدتها . وفي فترة متقدمة من الثورة كُلِّف المرحوم الأستاذ عبد الحميد مهري بتمثيل الثورة في المشرق العربي  وتأمين الدعم العربي لها من دوله ، فأقام في سورية ، وتزوّج من امرأة فاضلة من حلب ،  وقد استطاع، بحكمته ونفاذ بصيرته ، وحسن أخلاقه ، واستقامته ، ونزاهته ، وتواضعه ، أن يأسر قلوب الشرفاء من أبناء أمتنا أينما حلّ ، وفي هذا السياق أقام أطيب العلاقات مع الكثيرين من قادة وكوادر حزب البعث العربي الاشتراكي آنذاك ، وغيرهم  ، وكسب تعاطف ، وتأييد ، ودعم الجماهير العربية هناك للثورة الجزائرية ، وتأمين الكثير من المنح الدراسية لشباب الثورة في الجامعات العربية ، والمعاهد العسكرية ، وفي الوقت نفسه ، ساعد على تلبية الرغبة النضالية لرفاق لنا في الحزب للتطوّع في الثورة الجزائرية عام ١٩٥٧ ، وعلى رأسهم الشهيد الدكتور : نور الدين الأتاسي ، والدكتور: يوسف زعيّن ، والدكتور : ابراهيم ماخوس الذي عايشه عن قرب مايزيد عن أربعين عاماً ، وكان الصديق الصدوق له حتى أيٌامه الأخيرة ...

بعد انتصار الثورة التحررية وانتزاع استقلال الجزائر الذي اعترفت به سلطات الاستعمار الفرنسي في مفاوضات أيفيان الشهيرة، التي شارك فيها الراحل الكبير بكل فعالية، لم يتوقف عطاء هذا المناضل العنيد الصبور  ،  بل واصل العمل بكل طاقاته في مرحلة الجهاد الأكبر لبناء الجزائر، وتقلد مسؤوليات عليا في الحزب والدولة، ليتوج مساره النضالي بتوليه الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني،  وكان له دور مشهود في الدعوة والعمل  للتعددية والتحول الديمقراطي في الجزائر، وإعداد الحزب وتثقيفه للتعامل والتكيّف مع المرحلة السياسيةالجديدة .

  وعندما عمل سفيراً في باريس ، ثمّ في الرباط ، كان صدره ومكتبه ، ومنزله مفتوحة جميعها لكثير من المجاهدين والمناضلين السابقين الذين أبعدتهم الخلافات السياسية عن أرض الجزائر بعد الاستقلال ، وساعدهم في تخطّي الكثير من الصعوبات الخاصة ، ومهّد لعودة العديد منهم الى بلادهم  معزّزيين مكرّمين.

وأثناء الفترة القاتمة التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي دعا المرحوم إلى المعالجة السياسية للأزمة، وشارك بفعالية بطرح المخرج الوطني للأزمة، عن طريق الحوار الوطني والمصالحة بين القوى الحية للشعب الجزائري، ورسم خريطة طريق لهذا الغرض بالتعاون مع شخصيات جزائرية وطنية أخرى للخروج من النفق المظلم  ،  ولم تثنه الانتقادات والاتهامات الظالمة، ومحاولات العزل والإبعاد، عن السير في هذا الطريق الذي كان  يشكل بحق أفضل الحلول للمشاكل الكبيرة التي عرفتها الجزائر. وقد أثبتت الأحداث والوقائع صحة الخط الذي سار فيه المرحوم عبد الحميد مهري وصوابية رأيه ونفاذ بصيرته.

  لم يحمل الفقيد الكبير هموم الجزائر فقط بل حمل أيضاً هموم الأمة العربية جمعاء ، وخاصة في فلسطين والعراق ولبنان ، وغيرها ، كما سعى جاهداً لتحقيق الوحدة العربية، وتوحيد الجهود من أجل ذلك  وعلى هذا الطريق شارك في تأسيس المؤتمر القومي العربي ، وكُلٍّف بأمانته العامة مدة عامين ، وبقي مستمرّاً في المشاركة في قيادته حتى أشهره الأخيرة من حياته  ، وكان محطّ احترام وتقدير جميع أعضائه، والمرجعية السياسية الحكيمة لمعالجة كافة القضايا التي تعترضه ،أويعالجها .....

    غادرنا المناضل والأخ الكبير الأستاذ عبد الحميد المهري الى مثواه الأخير ، ولكنّه بقي حيّاً في عقول ونفوس جميع مَنْ عرفوه لما تركه من سيرة عطرة ، وتاريخ نضالي مشرّف ، كما سيبقى نبراساً للأجيال  الجزائرية تقتدي به جيلاً بعد جيل ، وتنهل من معينه السياسي والأخلاقي الذي خلّفه وراءه ، ومدرسة زاخرة بالفضيلة ونكران الذات ، وحب الوطن ، والنضال الدائم  من أجل تحقيق حياة حرّة كريمة للشعب والأمة . .رحم الله الفقيد الكبير ، وأسكنه فسيح جنانه ، وألهم أهله ، ومحبيّه ، ورفاق دربه الصبر والسلوان ..  

30/01/2012                                      المكتب السياسي لحزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي