الانتحار والوطنية

 هادف مصلح سالم


لماذا يبدوا النظام السوري بهذا الشكل المرتبك المتردد, ولماذا يبدوا رجالات النظام الذين شكلوا سابقا مفاصل الهيكل الفولاذي الصلب الذي حكم سوريا باسلوب متصاعد في الرسوخ والصلابة على مدى العقود الأبدية الماضية, لما يبدو هؤلاء بشكل مختلف الآن, متهاوي من الانتحار الجسدي لوزير الداخلية إلى الانتحار الأخلاقي لعراب المفاوضات السياسية.

و إذا كان الانتحار الجسدي للسيد غازي كنعان يشكل اشرف أنواع الاعتراف بالخطأ و العجز أمام مواجهة المسؤولية و هو أمر يبعث على الأقل على احترام قراره الذي و إن خطأ فانه عبر عن ثباته في قناعاته حتى الموت، فان الانتحار الأخلاقي للسيد عبد الحليم خدام يشكل نصف الوجه الأخر لمركب السلطة الحاكمة في سوريا, النصف الانتهازي الغير المقتنع بما مارسه في ظل النظام والنصف الغير المبدئي في تركيبة النظام الأبدي.

وإذا كنا نؤاخذ على أخوتنا المتنفذين في النظام السوري إقصاءهم لأصحاب المبادئ من الأماكن المركزية وفرض وجهه نظر واحدة رهنت بها حزب البعث وحملته وجهة نظرها ورهنته لقناعاتها و أخضعته للنظام الأمني الحاكم و المراقب لتنفيذ قناعاتها, فان سياستها تلك اعتمدت على الشخصيات الانتهازية التي لم تكن تنتمي لأي قناعات وكانت مستعدة للعمل مع أي حاكم, اعتمدت على تلك الشخصيات لكي تمثل حزب البعث بعد أن أقصت و سجنت قياداته من أصحاب القناعات المبدئية, الذين قضى اغلبهم أكثر من الربع قرن في السجون وتوفي البعض الأخر, لذلك, فمن الإجحاف تحميل البعث مسؤولية الأخطاء التي وقعت فيها الأقطاب المتنفذه في صناعه القرار من جهة, كما انه من الخطأ أيضا تحميله المسؤولية عن أمثال هؤلاء الانتهازيين المستعدين لتوريط الوطن و المستعدين للعمل مع أي كان على شاكلة الخونة القادمين مع الغزاة لتمثيل النظام العميل المنتظر بناؤه في الوطن العربي في ما يسمى بالشرق الأوسط.

إن المطلوب الآن هو الوعي الجماعي من الجميع لان الوطن أمام تحد مصيري, ولا بد سوف يظهر أمثال الخدام من النظام نفسه وهذا لا غرابة فيه ممن انتهج الانتهازية للاستفادة من طبيعة الحكم في سوريا, كما قد يظهر من أمثال الخدام أيضا بين صفوف المعارضة, و في النهاية سوف تبقى التصرفات الوطنية المرجع الحقيقي الذي سوف يقيس به الجميع ما يدعي به من الشعارات.

إن المطلوب الآن هو العمل سوية من دون إقصاء على تشكيل جبهة داخلية تتقاسم السلطة كما تتقاسم التشاور في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية أمام المحنة التي تواجه الوطن لان المقصود الآن ليس النظام بالذات أو بمفرده, و الهدف من هذا الاستهداف ليس رجالات النظام و إنما المقصود هو الوطن و الهدف هو إقامة الشكل العميل للحكم و الذي سوف يضمن استقرار و حماية المصالح الغربية على حساب مصالح الأمة

الرأي