الخطر الشيوعي والخطر الشيعي والخطر السني
تداعيات العدوان الاسرائيلي علي لبنان (1 من 2)

 

لا زالت اثار الحرب التي شنتها اسرائيل علي لبنان تحدث تردداتها داخل المجتمع الاسرائيلي، قيادة وشعباً، ولم تستطع الفضائح التي لحقت بالرئيس كتساف ورئيس الوزراء اولمرت وغيرهما ان تغطي علي المشاحنات التي تجري في الساحة الاسرائيلية بين القيادات السياسية والعسكرية وقادة الرأي، وهي في فحواها تنصبّ علي جوانب القصور في ادارة تلك الحرب والبحث عن سبل تصحيح مسيرة الدولة العبرية. أما علي الجانب العربي، فان القيادات وقادة الرأي ما زالوا يتلهون بمقولات سفسطائية واطروحات غريبة عن الهمّ العام.
ان اشدّ هذه المقولات فساداً هو التهويل، بل واحياناً الندب واللطم علي نموّ الخطر الشيعي ، وبعض كتاب البلاط يخفي هذه المقولة بشعار النفوذ الاقليمي وامتداده من ايران الي حزب الله الي حماس مروراً بسورية. وبداية، يجب ان نسلّم بواقع ان للدول مصالح واهتمامات وسياسات تسعي الي تحقيقها، وهي واقع ينطبق علي الدول الكبري وعلي الدول الصغري علي حدّ سواء، وهذا قول يصحّ في دول كالولايات المتحدة واسرائيل وايران وغيرها من الدول. وفي الحالة العربيه، فان الانهيار شبه الكامل لمنظومة الدول العربية وانسحابها الي حدودها القطرية والتقوقع علي ذاتها واختصار همومها بالمحافظة علي النظام القائم فيها، ترك المجال العربي برمته فارغاً، مما من شأنه ان يفسح هذا المجال لأي قوة دولية أو اقليمية لملء هذا الفراغ. فاذا تحركت امريكا او اسرائيل او ايران لملء هذا الفراغ فان ذلك يكون ـ وبغض النظر عن رغباتنا الوطنية او القوميه ـ مسألة طبيعية في مجال العلاقات الدولية. واذا كان هذا هو واقع الحال، فمن هو الاقلّ خطراً علي الدول العربية: امريكا او اسرائيل او ايران؟
وقبل الاجابة علي هذا السؤال، يجب استدعاء ما سبق في تاريخ المنطقة العربية من التلويح بالخطر الشيوعي في اواسط القرن الماضي، وكان جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة آنئذٍ يأتي الي المنطقة لتسويق مشاريع واحلاف عسكرية (مثل حلف السنتو وحلف بغداد) لتطويق الخطر الشيوعي. وكانت الناس في بلادنا ـ وعلي امتداد العالم العربي ـ تتلمس المخاطر المحيطة بها، فلا تجد الاّ الخطر الصهيوني الذي لا زال يتمدد في الجسم العربي الرخو. وكانت الناس تبحث عن الخطر الشيوعي فلا تجد له آثاراً ولم تشعر بتهديدات تأتيه من المعسكر الشيوعي، بل العكس، كانت تشعر ان المعسكر الشيوعي هو الذي قام بتسليح سورية ومصر، وهو الذي قام بتمويل السدّ العالي، وهو الذي وقف الي جانب مصر في عدوان 1956. وخلص الناس بسرعة الي نتيجة مؤداها ان التلويح بالخطر الشيوعي لم يكن الاّ ورقة التوت التي تتستر بها بعض اجنحة النظام العربي لاستسلامها الي النفوذ الانجلو ـ امريكي، ومغازلتها للكيان الصهيوني الوليد.
واسقاطاً علي الوضع الراهن، فان التلويح بالخطر الشيعي ليس الاّ ذريعة للتستر علي الاستسلام ـ وهذه المرّة علي نحو علني ـ للغزوة الاسرائيلية والعنجهية الاسرائيلية التي قادت حرباً قذرة ضد المدنيين في لبنان. وقد وصل الاستسلام الي درجة البذاءة وذلك حين افتي بعض شيوخ البلاط بانه لا يجوز الدعاء لحزب الله بالنصر في خطب ايام الجمعة. فهل تبلغ البذاءة درجة يطلب فيها من امام المسجد الدعاء بالنصر للقوات الاسرائيلية؟! وهل يعقل ان يكون التردي العربي الرسمي قد وصل الي المرحلة التي قال فيها احد الزعماء العرب علانية ان بعض الرسميين العرب كان يتصل بالاسرائيليين اثناء العدوان علي لبنان ويقولون لهم: يعطيكو العافيه!! وقد اكد ايهود اولمرت هذا المعني في اكثر من مناسبة.
وفي غياب الوجود العربي كقوة اقليمية، لا أحد يستطيع ان يساوي بين الخطر الامريكي الصهيوني من جهة والخطر الايراني المزعوم من جهة اخري. ان الولايات المتحدة، وبعد تجاربها في البلقان ودول امريكا اللاتينية والعراق وافغانستان، لم تدخل ارضاً الاّ افسدتها، وبعد تجربة العرب مع الحركة الصهيونية الاستيطانية، فانه من الثابت ان الصهيونية لا تقبل من العرب الاّ استسلاماً تاماً وشاملاً وكاملاً وقد ضربت بكل المبادرات والاتفاقيات عرض الحائط. ومن اراد الاستزادة، فلينظر الي ما يجري علي الساحة الفلسطينية يومياً. وهكذا، لم يبق الاّ الخيار الايراني، الذي هو ـ في غياب قوة عربية ـ كخيار يمكن التعامل معه في وجه الخطر الامريكي الصهيوني. ومن البديهي القول ان هذا ليس هو الحل الامثل، ولكنه البديل الاقلّ سوأة. فالروابط الايرانية العربية اقوي بكثير مما يربط العرب بالولايات المتحدة وبالمستوطنة الصهيونية المتوحشة المسماه اسرائيل ، وأتمنّي علي الذين يلوحون بالخطر الشيعي ان يستعدوا للاجابة علي مقولات قد يطرحها البعض الذين قد يلوحون بـ الخطر السني الذي يبدو وانه في حلف عضوي مع الولايات المتحدة واسرائيل. فاذا صدق ما قاله ذلك الزعيم العربي وأيّده في ذلك ايهود اولمرت، مع ما سبق ذلك من ملامة لحزب الله علي مغامرته ، ألا يبدو وان خطراً سنياً يحدق بالقضايا العربية الاساسيه؟ وبعد، فهل تصادم السنة والشيعة هو البديل عن الاصطفاف لمقاومة الخطر الصهيوني؟!
ولا بدّ من الاشارة الي انه اذا كان حزب الله في ادائه الرائع امام الهجمة الاسرائيلية الشرسة هو انتاج ايراني، فان في ذلك مدعاة لتعزيز التعاون العربي مع ايران. واذا لم يتردد وينستون تشيرشل في التحالف مع الشيطان لأجل انكلترا، فلماذا يتردد العرب في التحاور مع ايران حتي، وعلي افتراض انها شيطان، في سبيل قضيتهم الاولي ـ فلسطين؟! وقد يحاول البعض سحب الممارسات الهمجية لبعض عناصر الشيعة في العراق علي ما يجري في الساحة اللبنانيه، الاّ ان هذه المقاربة في غير محلها، ذلك ان ليس جميع السنة هم جماعة بن لادن أو جماعة الزرقاوي . وأثبت حزب الله انه بعيد عن الطائفية وهو اثبات استقام مع التجربة القاسية، ولا زال يناضل حزب الله لاقامة دولة وطنية لبنانية بعيدة عن التقسيم الطائفي وبعيدة عن ملوك الطوائف.
ويستتبع الحديث عن ايران والخطر الشيعي، التعرّض للبرنامج النووي الايراني ومخاطره. من الثابت والمؤكد ان ايران لم تخلّ بأية التزامات دولية تفرضها الاتفاقيات ذات العلاقة بالبرامج النووية، وتؤكد ذلك وكالة الطاقة الذرية. ومن الثابت والمؤكد كذلك ان تجارب ايران الحالية هي لأغراض سلمية وهذا يقع ضمن حقوقها المعترف بها دوليا، ولذا فان التهويل بالخطر النووي الايراني هو تهويل لا مبررّ له وهو احدي المخابث الدعائية الامريكية الاسرائيلية. ثمّ ـ وعلي افتراض ان ذلك سوف يمكّن ايران من انتاج قنابل ذرية في المستقبل، فان ذلك يجب ان يكون حافزاً لرموز النظام العربي لشنّ حملة منظمة وقوية لتجريد اسرائيل من سلاحها النووي الذي تمتلكة حاليأ. ومن الاولي لرموز النظام العربي التصدي لخطر قائم فعلاً عن التصدي لخطر محتمل، اذ ان الخطر الايراني، علي فرض وجوده، يظل خطراً يقع في دائرة الاحتمال ويبقي يتأرجح بين الفشل والنجاح، بينما الخطر الاسرائيلي خطر قائم فعلاً فهي تمتلك في ترسانتها ما لا يقل عن مائتي قنبلة ذرية، وقد فضح فعنونو قدرات اسرائيل النووية ونال عليها حكماً قضائياً طويلاً ولا زال يعاني من الملاحقات المخابراتية الاسرائيلية. فأيّ الخطرين اكثر تهديداً للعرب؟
ولا جدال في انه في غياب سياسة تجرد منطقة الشرق الاوسط من الاسلحة النووية والاسلحة الاخري ذات الدمار الشامل ـ وهو الحل الامثل ـ فان تملك ايران لسلاح نووي سوف يقلل من فعالية السلاح النووي الاسرائيلي. ولنذكر ان الولايات المتحدة ارتكبت اولي الجرائم في ضرب هيروشيما بالقنبلة الذرية حين لم يكن لدي الاتحاد السوفياتي سلاحاً مماثلاً، اما وانه قد امتلك هذا السلاح فيما بعد، مع صواريخ قادرة علي حمله الي الولايات المتحده، فان هذه الاخيرة مارست الرشد والعقلانية في تصرفاتها. والان، وبعد انحلال الاتحاد السوفياتي، نري انهياراً كاملاً لمنظومة القوانين الدولية وانفلات الولايات المتحدة من عقالها، بدءاً بالعودة الي تبنّي نظرية الضربة الاستباقية ، وهو اجهاض للماده (51) من ميثاق هيئة الامم، والضرب حيثما ارادت دون تفويض من مجلس الامن، كما حصل في حربها ضد العراق والسطو علي بتروله، الي آخر تقليعات الرئيس بوش الذي اعلن مؤخراً عن سيادة امريكية كاملة في الفضاء ومحذراً أي دولة اخري من الوقوف في طريقها، وهذا اخلال بمعاهدة دولية تتعلق بالسيادة في الفضاء للعام 1967. ولو كان الاتحاد السوفياتي لا زال كما كان، لما رأينا هذه العربدة الامريكية. وما يقال عن هذا الوضع، يمكن ان يقال عن العربدة الاسرائيلية. فلو ملكت أي من الدول العربية سلاحاً ذرياً لكانت اسرائيل اكثر عقلانية وأقلّ صلفاً. أما وان لا دولة عربية قادرة علي امتلاك هذا السلاح، فان امتلاك ايران له ـ علي فرض صحة الادعاءات الامريكية والاسرائيلية ـ سوف يساعد النظام العربي في تحسين موقعه ومركزه ويشدّ من أزره في مواجهة هذا الخطر الصهيوني الداهم. ومن قال ان النظام العربي يتكيء في وجوده علي علاقاته مع الولايات المتحدة، فان الجواب علي ذلك هو انظروا ماذا حلّ بشاه ايران..!! .

ہ محامٍ مقيم في الأردن