المقاومة الموحدة وحدها تحقق التجاوز التاريخي في العراق
جمال محمد تقي
قد أينعت ثمار التضحيات الجسيمة، وسيحل موعد القطف، حيث تم
إيقاف
عجلة المحتلين ومشاريعهم التصفوية، فصاروا في حيرة من أمرهم لا
يعرفون من اي
الأبواب أو الشبابيك ينسحبون ومع أي حدود من التنازلات يتعاطون.
لقد تحول العراق
إلي ما هو أعظم من فيتنام، لان للفيتناميين وقتها أرضا محررة
وذات سيادة وكانت منها
تنطلق جحافل الفيتكونغ بالعدة والعدد ـ فيتنام الشمالية، وكان
لهم حلفاء كبار
مشاركون، سوفيات وصينيون، إما الحال والعراق، فلا ناصر ولا
معين، لا حلفاء بوزن
الأعداء يكونون ظهيرا قويا لمد مقاومة العراق بما يلزم، ولا قطب
مضاد يضبط قواعد
الترويع والإبادة الاستباقية التي تصول وتجول وهي في حل من أي
محدد أو عرف، مقاومة
العراق، وحدها وجها لوجه ضد اعتي قوة عرفتها البشرية بكل
تاريخها القديم والحديث،
مقاومة العراق عارية إلا من عدالة قضيتها وتضامن ودعم شعوبنا
العربية والإسلامية
المغلوبة علي أمرها، ومن التضامن الاممي الحقيقي لكل أحرار
العالم الذي يعاني أصلا
من غباء وغطرسة الإدارات الإمبراطورية في أمريكا، علي حد تعبير
فرنا ندو الناطق باسم
وزارة الخارجية الأمريكية والذي حاول ولأول مرة إن يكون موضوعيا
فوجد نفسه خارج سرب
حاشية الإدارة!
بكل ما نملك نحن مطالبون بتقريب اجل الاحتلال وما ترتب عليه،
مطالبون باستحضار يوم الملحمة، يوم التجاوز التاريخي الذي به
وحده يكون طريق الخلاص
من جحيم الاحتلال وسرطانه المتفشي بالجسد العراقي، اليوم الذي
تفتح فيه الأفاق
الحقيقية كي يستعيد شعب العراق حريته ويرسم مستقبله بنفسه دون
وصاية أو هيمنة، كي
يستأنف مسيرة تحقيق ذاته بتنمية نفسه سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا وثقافيا لمصلحة
أجياله القادمة، ببناء دولة عصرية دستورية قوية تؤمن إن
الانتقال السلمي للسلطة
وتكافؤ الفرص والمواطنة أساس لها بمعزل عن أي هوية أخري، في
دولة تؤمن الأمن
والحياة الكريمة والرفاه لمواطنيها بعقد الحقوق المتساوية
والواجبات المتساوية،
وحتى يتحقق ذلك ولكي لا يكون الثمن مضاعفا ولكي نوفر علي عراقنا
مزيدا من الويلات،
الجميع مطالب وبالتحديد قوي المقاومة والممانعة العراقية وبكل
فصائلها المسلحة وغير
المسلحة في الداخل والخارج لان تعقد العزم علي الارتفاع بهمتها
وطريقة عملها
وعلاقاتها مع بعضها الي مستوي المسؤولية التاريخية والي حجم
الهجمة الاستئصالية
الخطيرة التي لا تستثني أحدا بل لا تستبقي علي شيء من العراق
سوي الركام، مطالبة
وقبل كل شيء بتحويل أسلوب المقاومة الي كفاح شعبي متمدد ولكل
حسب قدرته، زرع الثقة
بالمستقبل الذي ترسمه سواعد المقاومين، وحتى يكون ذلك يسيرا
علينا الاتفاق علي
برنامج عمل وطني شامل هو برنامج التحرير والبناء والتقدم،
برنامج الحرية المسؤولة
والتعددية المتعايشة برنامج التحول الديمقراطي سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا وفكريا،
إن اشد خطر علي المقاومة هو الوهم الذي قد يصيب بعض فصائلها من
انه قادر لوحده علي
اختزال الآخرين وانتزاع بيعتهم له بعد أن يفرض شرعيته من خلال
وثوبه للسلطة بعد
تخلخل الموازين، إن الاستئصال او الاستفراد والاجتثاث والشمولية
وضيق الأفق كلها
طرق معبدة نحو الاستبداد، وعليه فان شرعية المقاومة ستبقي ناقصة
اذا لم تستكمل
ببرنامج وطني تتواصل عليه ومن اجله الأكثرية الساحقة من كل
أبناء الشعب المقاومين
والممانعين، شرعية تضحياتها ونضالها لا تكفي لتكون هي شرعة
المستقبل بل شرعيتها
كممثل للشعب تتأتي من خلال إقرارها لان تكون هي الحارس الأمين
لإرادة الشعب بعد
التحرير ولا تكون عبئا عليه، وهنا تكمن أهمية وحدة فصائل
المقاومة باتجاهاتها
المختلفة لتنتزع جميعا صك التحرير وتحافظ عليه بمرحلة انتقالية،
يسير الامور بها
المتخصصون الوطنيون تحت أشراف مجلس جبهة التحرير والبناء
العراقية حتى تستتب الأمور
ليتنافس الجميع تنافسا شريفا في ظل اوضاع غير استثنائية ليتسني
لابناء الشعب
المفاضلة بين برامج ومشاريع وخصائص كل متنافس علي تمثيلهم.
دون ذلك سيكون موعد
القطاف نقمة اخري يدمر فيها المحصول علي الارض والشجر حيث لا
استعداد ولا خطة ولا
ادوات ولا تنسيق بين فعاليات المقاومة بشقيها السياسي والمسلح
لتكون ممهدة طبيعية
لقيام شرعية جديدة هي شرعية شعبية التحرير وقدرتها علي معالجة
الاحتياجات الحقيقية
لابناء الوطن كله.
المثلث التاريخي
النضال الوطني ليس منة علي الوطن
وابنائه، بل هو واجب ليس مقابله ثمن، انما التقدير الوحيد هو
تقدير ابناء الشعب
لهذا النضال، وعندما يمنح الشعب فرصة حقيقية للاختيار فمن
الطبيعي وقتها سيكون
للمناضلين اصحاب الادوار المشرفة والنزيهة في معاركه الحظ
الاوفر في هذا
الاختيار.
لقد افرز مرجل التفاعلات السياسية العراقية بين الفئات السياسية
والشعبية داخل العراق وخارجه تيارات حية وفعلية لها حضور شعبي
ودور سياسي وتعبوي
وهي لم تستنفد بعد شحناتها ومداها التاريخي وما زالت تتبلور
حولها الاستقطابات
الاساسية في مجتمعنا وبتجليات متعددة، واجمالا نستطيع القول ان
هناك مثلثا متلازم
الاضلاع بين التيار الوطني بكل تراتبية فئاته الليبرالية
والديمقراطية، والتيار
القومي التحرري ايضا بكل مستوياته، والتيار الاسلامي التحرري،
قد كشفت جميعا عن
ملامحها الاساسية، وقد لازمت هذه العملية تنقيات وتقلبات
وصراعات ليست بالهينة ادت
ايضا الي عملية براز للقوي المشوهة وغير الوطنية والتي ربطت
مصيرها بمصير الاحتلال
وعمليته السياسية العقيمة.
ان تهافت مستويات الفرز الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي والفكري المتسارع من جهة والانحسارات المتتالية للطبقة
المتوسطة بحيث
اصبحت وكانها غائبة كليا، اضافة الي الانهاك الحاصل بالفئات
العمرية الفاعلة
والقادرة علي العمل ـ بسبب التصفية او الاعتقال او الهجرة او
التخفي او الادمان ـ
ابرز الي الواجهة الاجتماعية جيلا قليل الخبرة من الشباب وجد
نفسه مكشوفا امام
خيارات صعبة لم يعهدها جعلته اما يتهور في قرارة نفسه او يتعايش
مع تفاصيل المشهد
وكانها قدر، ورغم ذلك فإن خبرة هذا الجيل بتصاعد ملفت يعزز
خياراته الاجتماعية
والسياسية وذلك بفعل دور المقاومة والانشداد المتزايد للطرح
المعارض للاحتلال
وافرازاته المخادعة في الداخل والخارج، هذه العوامل فعلت فعلها
في عرقلة انطلاقة
الفرز السياسي اجتماعيا وخاصة في مناطق جنوب العراق، لكنها لم
تمنعه من التقدم بل
كلما تكشفت ملامح المشروع الاحتلالي كلما زاد تواصل الفئات
الاجتماعية الحية مع
التيارات المقاومة للاحتلال، الوطنية والقومية والاسلامية.
هذه الحالة تستدعي
معالجة بمستوي عال من الجهادية المنظورة وغير المنظورة لانها
ترتبط اصلا باصل
الهدف، هدف التحرير واقامة عراق حر ديمقراطي مستــقل، ودون
ترجمة وحــدة الهدف
كونها وحدة للمصــير بين التـــيارات الوطنية والقومية
والاسلامية في حلــف
تاريـــخـــي يؤسـس لمشـــروع التجاوز فان الخسارة الاستراتيجية
ستكون شاملة بشمول
نتائجها.
وفي هذا السياق فان تلاقي هذه التيارات الثلاثة بتحالف تاريخي
يضع
لنفسه خططا قصيرة وبعيدة المدي امر لا بد منه لتحقيق الانتصار
المنتظر وعكسه فان
الخسارة ستعم الجميع في نهاية المطاف، وستكون هي ذاتها من يتحمل
مسؤولية دورة
الخراب الدائرة امام الشعب العراقي وامام التاريخ.
ان دعوة حزب البعث الاخيرة
التي تنفتح علي الجميع ودون شروط تفرض عليهم، هي خطوة ايجابية
بهذا الاتجاه، الذي
يجعل من طريق مقاومة الاحتلال واقامة المشروع الوطني هو الفيصل
الوحيد لتلاقي كل
اطراف هذه التيارات دون وصاية او اقصاء.
من يتمعن في قراءة المبادرة سيجد انها
تؤشر الي تواصل قادم تشكل فيه الدعوة هذه اول الغيث ولكي تكون
لها انعكاسات ايجابية
مطالب البعث قبل غيره لحساسية دوره، وتعقده، تغذيتها وانعاشها
علي الاصعدة السياسية
والميدانية ليجري تحقيقها بالتلاقي الوطني المحصن.
لقد اخذت تتضح يوما بعد اخر
الاهمية الاستثنائية لصياغة مشروع برنامج وطني تحرري شامل تتفق
عليه تيارات العمل
الوطني المقاوم السياسي منها والمسلح، بقيادة جماعية متناوبة،
دليلها التحرير
والاستقلال والبناء الديمقراطي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا
وسياسيا وفكريا، وتحقيق
هذا الهدف يعتبر نقطة تحول ضاغطة باتجاه خلاص شعبنا من محنته
التي سيطول امدها كلما
تفرق رفاق الدرب الواحد.
كاتب من العراق