تقاسم الأدوار بين ماهر وبشار .. 

                                        بؤس الحل الأمني في سورية

        د. محمد أحمد الزعبي 

خاص _الحوار الديمقراطي

                     

30‏/04‏/2011

                                                               

في مقالة سابقة للكاتب بعنوان " انتفاضة درعا بين ديكتاتورية النظام وانتهازية الحاشية " ( الحوار المتمدن ،        

 22.3.2011 + الفيسبوك ) ، أشار فيها إلى نقطتين  اثنتين ـ هما بنظره ـ هامتين ، حيث أثبتت الأيام اللاحقة لمذبحة مدينة درعا يوم 17/03 / 2011 صحة وموضوعية كل ماجاء فيهما ، أولهما ، هوأن المسؤولية الجوهرية والأساسية لقمع مظاهرة درعا الوطنية والسلمية والبعيدة عن أي تعصب من أي نوع كان ، بالرصاص الحي ، إنما تقع على عاتق أسرة الأسد الحاكمة ، وبالذات الأخوين بشاروماهر، اللذين يتقاسما بصورة مقصودة ومدروسة ، دور الذئب والحمل ، وثانيهما ، هو أن وقوع هذه المسؤولية على عاتق نظام عائلة الأسد ، وبالذات " الرئيس بشار "  لايعني أن الكاتب يعفي تلك الشلة الانتهازية الطفيلية التي تعتاش على فضلات هذا النظام العائلي ، وعلى رأسها نواب الرئيس ومستشاروه الأمنيين والسياسيين ، من هذه المسؤولية .

 إن الكاتب على دراية كافية ووافية بأن لاأحد خارج العائلة الحاكمة ( عائلة عنترة على حد تعبير نزار القباني ) ، يستطيع أن يحرك ساكناً في سورية ،اللهم إلاّ مد يديه مرتين في الشهر، مرة للتصفيق الحاد المرافق لمشاركته في " بالروح بالدم " ، ومرة اخرى لقبض راتبه الشهري المتخم بالعلاوات والمكافآت .

 إن بعضاً من هؤلاء ( الأتباع ) الذين يعرفهم الشعب جيداً ، يحاول هذه الأيام ،أن يدفن رأسه في الرمال كالنعام ، اعتقادا منه أن ذلك يمكن أن يحميه من غضبة الثكالى واليتامى والأرامل في المدن والقرى السورية التي هبت معلنة بصوت جهوري واحد ، وبقلب واحد ، وبتصميم واحد ، وإرادة واحدة :  " الله ، سورية ، حرية ، وبس " ، ومعروف لدى هؤلاء الأتباع والمنافقين والانتهازيين ( بمن فيهم من جعلوا شعارهم :  لاأسمع ، لاأرى ، لاأتكلم ) ، ما تعنيه هذه الـ " بس " .

إن طائر الفينيق  " ياسيادة الوريث " سوف يخرج  من رماد جثث مئات الشهداء الذين سفكتم دمهم بالباطل ، في درعا وفي داريا وفي بانياس وفي اللاذقية وفي الرستن وفي الصنمين وفي دوما وفي غيرها من المدن والقرى السورية ... وسيظل يحوم فوق رؤوسكم ، يقض مضاجعكم ،أنت وأجهزتك الأمنية ، وفرقتك الرابعة ، ومرتزقتك  ، إلى أن تحقق انتفاضة آذار الوطنية ، الهدف النبيل الذي  جاد  من أجله هؤلاء الشهداء بأنفسهم الطاهرة والبريئة ، ألا وهو هدف " الحرية والكرامة "

 

لقد تبن للكاتب من متابعته لأقوال وأفعال نظام "سورية الأسد"( والتسمية للسيد حسن نصر الله ) ،ومناصريه في الداخل والخارج ،  والتي (المتابعة ) شملت كلاً من خط الدفاع الأول عن النظام ( أقوال وأفعال بشارالأسد ، وحرسه الجمهوري ، وأجهزته الأمنية المختلفة ) وخط الدفاع الثاني ( المؤسسات السياسية والشعبية  المختلفة ، المعينة أصلا من قبل عناصر خط الدفاع الأول ) ، و خط الدفاع الثالث ( شلة المنتفعين والانتهازيين من الإعلاميين والكتاب ورجال الدين ، من مدمني الكذب والتدليس والنفاق، والذين تعرفهم الفضائيات العربية وموقع الفيسبوك جيداً ) ، وأخيراً خط الدفاع الرابع الذي يشمل القوى الناعمة المموهة في كل من إسرائيل وبعض الدول الغربية ، والتي يمكن اعتبار ماخفي من دورها أكبر وأخطر مما ظهر ويظهر ، نقول تبين للكاتب من هذه المتابعة عدة حقائق ، سوف يتوقف في هذه المقالة عند اثنتين فقط منها  هما : 

 

          1.  ـــ  تركيز أجهزة النظام وأتباعه على أن " الرئيس بشار الأسد " هو رجل الإصلاح في سورية ، وذلك بحكم عمره الشبابي ( الذي اقتضى تعديل الدستور السوري لكي يتلائم مع هذا العمرالشبابي!! ) ، بيد أن الحواجز السياسية والاجتماعية التي ورثها عن والده هي التي تعيق ــ  حسب ماتعلنه هذه الأجهزة وأتباعها ــ  تحقيق هذا الإصلاح  . ولقد حدد الكاتب الأمريكي الباحث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط  فلينت ليفرت في كتابه " وراثة  سورية ، اختبار بشار بالنار" هذه العوائق بـالأربع التالية : 1. الحرس القديم ،  2. الهيئات الأمنية ، 3. الشبكات العائلية ، 4. الوفاء لتركة الوالد (ترجمة د. فوزي الشعيبي ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، 2005  ، ص 295 ) .

بيد أن فلينت أشار في مكان آخر من الكتاب إلى أن بشار يحاول تحقيق التوازن بين التغيير والاستمرارية ، ويستشهد على ذلك بما ذكره بشارلاحقا حول موضوع الإصلاح ، حيث يقول :  " لقد ذكرت في خطاب توليتي أننا لم نأت لنسف الواقع ، وإنما لتطويره ."  (ص 150) ، أي أن بشار يحاول بمثل هذا الكلام  ـ وهذا وفقاً لفيلنت أيضاً ــ " أن يضع نفسه في المنتصف بين الحرس القديم وراديكاليي المجتمع المدني . " ( ص 181 ) .

إن  مايراه الكاتب حول موضوعة  " بشار الإصلاحي !!" التي تتبناها أجهزة النظام ومرتزقته ، هو أن هذه الموضوعة  إنما هي أكذوبة سافرة ، الهدف منها امتصاص النقمة الشعبية على هذا النظام ، ممثلاً بكل من الأب والإبن  علماً أن الأب  قد "عمل ست سنوات ونصف لتحضير الإبن للرئاسة  " ( نفس المرجع السابق ص 141 ) ، الأمر الذي يسمح بالقول بأن

العامل الأساسي والحقيقي وراء عملية التوريث الهجينة والدخيلة على العملية الديموقراطية التي انتهجتها سورية بعد حصولها على استقلالها من الاحتلال الفرنسي عام 1946، إنما هو رغبة الأب ، بنقل السلطة إلى شخص مقتنع وملتزم بسياسته الداخلية والخارجية ولاسيما " قراره الانضمام  إلى الجهود المتجددة برعاية الولايات المتحدة الأمريكية في عملية

 إحلال السلام بين العرب وإسرائيل " . ( المرجع السابق ص 108 و 109 ) . ولقد كان ابنه بشارهو الشخص الملائم لهذه المهمة  المشبوهة التي يشترك فيها كل من الأب والإبن . إن ماشهدته و تشهده محافظة درعا ( تشليع أظافر الأطفال ، مئات الشهداء ، مئات الجرحى ، مئات المعتقلين  ، الدبابات ، القناصة ،الشبيحة ،الفرقة الرابعة ، قطع الماء ، قطع الكهرباء ، منع  الطحين ، منع حليب الأطفال ، تدميرالمسجد العمري ، الخ ..الخ ) وغيرها من المحافظات  السورية هذه الأيام على

يد بشار الأسد ورجال أمنه  وشبيحته ، إنما يؤكد  مضمون المثل الشعبي الذي يقول " من خلّف مامات !!" ، ويؤكد كذلك أن المجاهرة بلعبة الذئب والحمل بين بشار وأخيه ماهر ، إنما هي واحدة من الألاعيب المكشوفة للنظام ، بغية التستر على خياره الأمني  لحل الأزمة الداخلية في سورية ، بدلاً من الخيار السياسي .

 

        2. ـــ تركيز أجهزة النظام وأعوانه وأتباعه ، على أن الرئيس بشار الأسد قد حقق للشعب السوري الجزء الأهم  من المطالب التي نادت بها المسيرات والمظاهرات الشعبية ، والتي وصفها " سيادته " بالمطالب المشروعة ،ولاسيما إلغاء قانون الطوارئ ، وإلغاء المحاكم الإستثنائية ، و تغيير الوزارة ، وقانون لتنظيم السماح التظاهر ، وأن " سيادته " بصدد الاستجابة لمزيد من مطالب الشعب المشروعة  ، ولكنه بحاجة إلى مزيد من الوقت لكي تمرهذه المطالب عبرالقنوات الرسمية للدولة ، الأمر الذي يعني أنه لم يعد من مبرر لنزول الناس إلى الشارع وبالتالي إلى التظاهر و/أو الاعتصام ، إلاّ إذا كانت القوى الأجنبية  والمندسين والعصابات الإجرامية هم من يقف وراء هذه المسيرات والمظاهرات  وهم من لايريدون لها ان تتوقف ، وذلك حسب الناطقين الرسميين وشبه الرسميين وغير الرسميين  من عناصر وجلاوزة النظام !!.

إن مايرغب الكاتب أن يوضحه ، فيما يتعلق بهذه النقطة ، هو أن المطلب الرئيسي للمظاهرات والمسيرات الشعبية السلمية كان " الحرية  والكرامة "، وهو مطلب يرتبط نظريّاً وعمليّاً ، بحق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه عبر صندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، وليس عبر الدبابات ، ولا عبرالمادة الثامنة من الدستورالتي كرّست وتكرس عملية التوريث وحكم الطغمة الفاسدة التي مابرحت تنيخ على كاهل الشعب السوري منذ أكثر من أربعين عاماً .

إن هذا هوالمطلب الشرعي والمشروع للشعب السوري " ياسيادة الرئيس " والذي نعرف جميعاً أنك تعرفه مثلنا أيضا ، وهوــ على مابدو ــ مايقض مضجعك ومضاجع طغمة المستفيدين والمنتفعين والانتهازيين من حولك ، بل وهو السبب الحقيقي وراء إرسالك الفرقة الرابعة ( فرقة أخيك ماهر ) بترسانتها من الأسلحة الثقيلة والدبابات إلى مدينة درعا المناضلة والباسلة ، لكي تلقنها درساً كذلك الدرس الذي سبق لوالدك من قبلك أن لقنه لمدينة حماة عام 1982 .

 إن ماينبغي تذكيرك به هنا والآن " ياسيادة الرئيس " هو أن المسافة الزمنية بين مجزرة حماة ( 1982) ومجزرة درعا    ( 2011 ) لاتسمح لك بأن تكرر تجربة الوالد ، فعالم اليوم غير عالم الأمس ، والظروف الداخلية والخارجية اليوم لم تعد هي نفسها ظروف الأمس ، وبالتالي فإن نتائج بطشك بمدينة درعا اليوم ، لن تكون شبيهة ولا قريبة من نتائج بطش أبيك بمدينة حماه  بالأمس . إن مايجري الآن في معظم المدن السورية من قتل واعتقال وإرهاب وترهيب ، وإحالة متهمين إلى المحاكم العسكرية  ،إنما تم ويتم في ظل ماأعلنته في خطابك في  "مجلس الشعب " بتاريخ 30 / 03 /2011  عن الإلغاء الكاذب لقانون الطوارئ ، وللمحاكم الاستثنائية ، وعن السماح للناس بالتظاهر السلمي . إن  مايبدو واضحا أمام  العالم الآن أن ممارسة الكذب والتزوير والتدليس باتت تمثل الخبز اليومي لكافة وسائل إعلام " سيادتكم " المرئية  منها والمسموعة والمقروءة بكل أنواعها ، ولذلك فإن هذا الإعلام ، بات يمثل فضيحة جديدة تضاف إلى فضائح نظامكم السياسي والأمني التي لاتعد ولا تحصى والتي لم تعد خافية على أحد .

 

إن الكاتب ينصحك " ياسيادة الرئيس" ( وهو رجل علماني مثلك ) أن تعود إلى رشدك ، وأن تجنب سوريا ما يخططه لها الكيان الصهيوني ، والقوى الاستعمارية الرد يفة له ، والتي نعلم جميعا أنها كانت وما زالت تقف إلى جانبك وجانب  نظامك ، وأنها ( القوى الخارجية ) هي من يحرضك على قتل أبناء الشعب السوري ، وعلى قمع تظاهراته السلمية بالرصاص المميت، ذلك الشعب الطيب المسالم البعيد كل البعد عن أي تعصب وعن أي تطرف ، والذي كان مطلبه الوحيد في مظاهراته السلمية التي وصفتها أنت بالمشروعة  " الحرية والكرامة " وكان رده الوحيد على بطشك الممنهج والمدروس الهتاف المنطقي والأخلاقي "اللي بيقتل شعبو خاين".  إن الكاتب يؤكد هنا ويردد مع أبناء بلده الحبيب سوريا ، ومع أبناء محافظته المناضلة درعا ، نعم ثم نعم " اللي بيقتل شعبو خاين " . إن المطالبة بالحرية والكرامة

لاتخيف إلاّ من يقفون في الجهة المضادة لهذه الحرية والكرامة ، إنهم المتسلطون والمتسلقون ، فاختر يا " سيادة الرئيس " الجهة التي تريد أن تقف معها وفيها .

                                     

                                                          ــــــ انتهى ــــــ