حماس في مأزق اللاخيارات

 سليم الحص

النهار


 

كنا نقول ان الرئيس جورج دبليو بوش لا يرى من الديموقراطية سوى صندوقة اقتراع. وحيث صندوقة الاقتراع هناك الديموقراطية. وهو كثيرا ما يتغنى بان اميركا استطاعت ان تدخل الديموقراطية الى العراق وفلسطين، لمجرد ان صندوقة الاقتراع شقت طريقها الى البلدين العربيين.

وكنا نقول ان هذا هراء. فلبنان عرف صندوقة الاقتراع منذ الاستقلال، ومع ذلك ما زلنا نردد ان في لبنان كثيرا من الحرية وانما قليل من الديموقراطية. فصندوقة الاقتراع شرط ضروري، وانما غير كاف، لوجود الديموقراطية. فالديموقراطية تتلازم والتمثيل الصحيح وفاعلية المساءلة والمحاسبة وحياة سياسية تتميز بالحوار الوطني المنتظم عبر المؤسسات، كما عبر وسائل الاعلام. والديموقراطية نظام وثقافة، كما هي نمط حياة. وكان تعليقنا على قول الرئيس الاميركي تساؤلا: كيف تكون الديموقراطية من غير حرية؟ واين هي الحرية في ظل الاحتلال، سواء في العراق ام في فلسطين؟

لقد جرت انتخابات اشتراعية في كل من العراق حيث تهيمن اميركا، وفي فلسطين حيث اسرائيل، وهي امتداد اميركي في المنطقة تحتل الارض. كانت الانتخابات في كلا البلدين حرة ونزيهة، وجاءت النتيجة في الحالتين على غير خاطر الاميركان، فاذا بالدولة العظمى، داعية الديموقراطية، تتخبط وتتبلبل في العراق، وترفض نتائج الانتخابات في فلسطين فتهدد بقطع المساعدات المالية وتدفع اوروبا الى سلوك طريق مماثل.

"حماس" في مأزق شديد: ان تسلمت الحكم وشكلت حكومة باسم الديموقراطية فانها ستواجه المقاطعة من اميركا واوروبا، لا بل الحصار الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي، ووقف كل المعونات التي كان الغرب يقدمها الى السلطة الفلسطينية كما الى المؤسسات الفلسطينية. هكذا يعاقب الشعب الفلسطيني على ممارسة الديموقراطية التي كان يدعى اليها بلا هوادة، فيدفع الثمن من هنائه ومعيشته واستقراره، او ما تبقى له من كل ذلك في كنف احتلال اسرائيل لارضه وعسفها المزمن والمتمادي في التعاطي معه على كل صعيد.

اذا نفذت الدولة العظمى، ومعها دول اوروبا، تهديدها، فان ذلك سيؤدي الى فشل محتم لحركة "حماس" في الحكم منذ اللحظة الاولى. فهي ستكون معزولة عن العالم، وليس من يتعامل معها. ثم انها ستكون غير قادرة على الوفاء بأدنى متطلبات ادارة الدولة. اذ ستكون عاجزة حتى عن دفع رواتب موظفي السلطة، وعن وضع موازنة حتى بأبسط اشكالها. حتى الرسوم والضرائب التي تجبيها اسرائيل لحساب فلسطين، ستكون محجوبة عنها. الافلاس سيكون محتما، كما سيكون شبه محتم الا تسارع الدول العربية الى نجدتها بفعل الضغط الاميركي والاوروبي.

فما هي خيارات حركة "حماس" والحال هذه؟

الخيار الوحيد امامها هو نقض الديموقراطية في النتائج التي اسفرت عنها. وهذا يكون بالاستنكاف عن النزول عند ارادة الشعب، عند حكم الديموقراطية، فلا تتسلم حركة "حماس" الحكم. ويكون ذلك باحدى طريقتين: اما بالاصرار على حكومة ائتلاف مع سائر الفصائل الفلسطينية تذوب فيه حركة "حماس" ارضاء لدعاة الديموقراطية في اميركا واوروبا، او بالتخلي عن الحكم اطلاقا وترك الحرية لرئيس السلطة السيد محمود عباس (ابو مازن) لتشكيل حكومة يرضى عنها دعاة الديموقراطية في الغرب. هكذا تُرد دعوى حكام الغرب الى نحرهم. عاشت الديموقراطية.

حجة حكومات الغرب في رفض حركة "حماس" في الحكم انها تمارس العنف (الارهاب في مصطلحهم) ولا تعترف بالكيان الصهيوني. العجب ان حكام الغرب لم يجدوا ما يطالبون اسرائيل به في المقابل. انهم لا يطالبونها بتنفيذ القرارات الدولية او انهاء احتلالها لارض عربية تغتصبها او السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي هُجروا منها منذ اجيال، او الكف عن التنكيل بالشعب الفلسطيني بشتى الاساليب اللاحضارية واللاانسانية.

يطالبون حركة "حماس" بالاعتراف باسرائيل في الوقت الذي لا تعترف اسرائيل حتى بوجود شعب فلسطيني له حقوق مشروعة هي من بديهيات حقوق الانسان التي ينادي بها حكام الغرب رياء ونفاقا.

هكذا يجب ان يكون رد حركة "حماس": فلتعترف اسرائيل اولا بوجود شعب فلسطيني. والتعبير عن هذا الاعتراف انما يكون بقبول القرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة قبل اكثر من نصف قرن، وهو القرار الذي يحفظ للاجئين الفلسطينيين، كل اللاجئين، حق العودة الى ديارهم في فلسطين، كل فلسطين، في امتدادها التاريخي من البحر الى النهر.

هذا هو مفتاح الحل لقضية فلسطين، كونها قضية وجود وليس مجرد قضية حدود. الاصرار على القرار 242 محورا في كل مشاريع الحل المطروحة لقضية فلسطين، جعل من قضية فلسطين قضية حدود. والاصرار على القرار 194 سيعيد الى القضية وجهها الحقيقي، كونها قضية وجود، وجود الشعب الفلسطيني متمتعا ببديهيات حقوق الانسان على ارضه، واولها العودة الى ارضه.

الرد الحاسم من حركة "حماس" يكون برد مطلب الديموقراطية الى دعاتها المنافقين في الغرب، والاستنكاف عن تسلم الحكم على الرغم من نتائج العملية الديموقراطية. هكذا يكشف نفاقهم.