فلسطينيون يتحالفون مع إسرائيل
عبد الستار قاسم
يواصل عدد من الفلسطينيين وقوعهم في المحرمات وذلك بتحالفهم مع اسرائيل لاعادة
ترتيب الاوضاع السياسية الفلسطينية بما يتلاءم مع المتطلبات الاسرائيلية والامريكية.
انهم يتعاونون مع اسرائيل، وينسقون معها ومع الولايات المتحدة خطواتهم من اجل ازالة
ما ترتب علي فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، وهم يتلقون الاموال، وفق
تصريحات الرئيس الامريكي، والتدريب والعون بمختلف اشكاله مثل العون الصحي الذي تم
تقديمه لمدير جهاز امني فلسطيني. صحيح انهم يخجلون من البوح بما ينسقونه مع
اسرائيل، لكن وسائل اعلام اسرائيل وامريكا لا تنفك تتحدث عن حالات التعاون التي
ترقي الي درجة التحالف الآني غبر الندّي. وقد اعلنت اسرائيل مؤخرا عن امدادها
لرئاسة السلطة الفلسطينية بالسلاح الخفيف الذي لا يصلح، بالطبع، الا لمقاتلة
المواطنين الفلسطينيين. لقد نفت الرئاسة الفلسطينية هذا، لكنه من المعروف ان قيادات
فلسطينية تكذب اكثر بكثير من القيادات الاسرائيلية.
الحديث هنا لا يشمل حركة فتح علي الرغم من ان اغلب هؤلاء المتحالفين مع اسرائيل
يقولون انهم ينتمون الي حركة فتح. فتح مليئة بالمخلصين والوطنيين الفلسطينيين، ولا
يمكن اخذهم بجريرة القلة. لكن المشكلة ان الحركة تعرضت عبر السنوات الي سياسات جعلت
الافراد اسري غير قادرين علي مواجهة القلة المتنفذة التي تتلقي الاموال ومختلف
انواع الدعم من جهات معادية للتطلعات الفلسطينية.
ما يقوم به هؤلاء عبارة عن نتيجة حتمية للنهج القيادي الذي ساد علي الساحة
الفلسطينية والذي اعتمد الفردية وشراء الذمم والشعارات الرنانة والتمزيق الاخلاقي.
لم تتطور الاوضاع الفلسطينية الي هذه الدرجة عفويا، ولم تكن النتائج بدون مقدمات.
بناء علي هذا النهج، توقع عدد من الكتاب الفلسطينيين سابقا بان منظمة التحرير
الفلسطينية ستعترف باسرائيل، وان الحكم الذاتي الذي صُنّف القابل به علي انه خائن
خيانة عظمي سيكون مطلبا وطنيا، وان التعاون الامني بين فلسطينيين واسرائيل ضد
المجاهدين سيصبح واقعا. هذا ما حصل.
الهدف الآن لا يقتصر علي افشال الحكومة الفلسطينية الحمساوية، وانما يمتد ليشمل
تأديب الشعب الفلسطيني حتي لا يعود للتمرد علي امعائه. كان علي الشعب الفلسطيني ان
يعلم ان لقمة خبزه تصله بسبب تنازلات قياداته الوطنية والسياسية، وقد تم تحذيره قبل
الانتخابات بان فوز حركة حماس سيؤدي الي قطع الاموال؛ وبما انه شعب لا يفهم معني
النصيحة، فعليه ان يتعلم بالعصا. عدد من الفلسطينيين يتبنون هذه الجدلية ويعملون
علي الدفع باتجاهها، ولم تكن عملية ضبط الاموال التي حملها المتحدث باسم حماس علي
الخطوط الفلسطينية ـ المصرية الافتراضية الا جزءا من هذا التبني. ولا تخرج حملة
التشهير الحقيرة التي تتم ضد الذين يحملون اموالا مثل الزهار عن هذه الرؤي البغيضة
المتحالفة مع اسرائيل. يقول هؤلاء الفلسطينيون ان حركة حماس عملت علي افشال مشروعهم
الوطني من خلال العمليات الاستشهادية التي كانت تقوم بها في التجمعات السكانية
الصهيونية. هذا صحيح جزئيا من حيث ان بعض عمليات حماس كانت موجهة ضد خطوات سياسية
معينة بهدف افشالها، لكن الفرق بين ما كانت تقوم به حماس وبين الذي يقوم به
فلسطينيون الآن شاسع جدا، ولا مقارنة. يمكن تلخيص الفرق بالتالي: 1 ـ حماس وغيرها
من الفصائل حاولت افشال اتفاق اوسلو من خلال الهجوم علي اسرائيل وليس علي السلطة
الفلسطينية. 2 ـ اتفاق اوسلو مناقض لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية (قبل التعديل
الذي تم بعد الاتفاق بثلاث سنوات)، وهو مخالف لكل التطلعات والشعارات الفلسطينية
بما فيها شعارات حركة فتح. 3 ـ حماس لم تتعاون مع الاحتلال ضد هؤلاء الذين يتحالفون
مع الاحتلال الآن. 4 ـ المتحالفون مع اسرائيل يشاركون في جهود الحصار علي الشعب
الفلسطيني، بينما لم تفعل حركة حماس اي شيء بهذا الاتجاه. 5 ـ حماس لم تشارك في
الحملة الشعبية علي فساد القيادات الفلسطينية، وكنت انا احد اللائمين للحركة علي
موقفها هذا، اما هؤلاء فيشددون الرقابة علي حماس من اجل ضبط اخطائها. انهم يعظمون
اي خطأ لها مهما كان صغيرا، وهم مستعدون لصناعة اخطاء لها لتبرير مواصلة الهجوم
عليها.
سوء النية واضح بتصرفات هؤلاء الفلسطينيين، وهم يتصرفون خارج المنطق التاريخي مما
يعرض كل محاولاتهم للفشل الذريع. انهم يدركون ان مهمتهم الآن مرتبطة بصمود الشعب
الفلسطيني: اذا صبر وصمد ذهبت ريحهم، واذا قرر الخروج علي حماس من اجل الراتب فان
آمالهم ستتحقق. تقديري ان الشعب الفلسطيني سيصمد مع جهود من الضروري ان تبذلها حماس
ومن يؤيدونها.
حماس ليست معفية من المسؤولية بخاصة انها لم تتقدم للشعب الفلسطيني حتي الآن بخطاب
سياسي متماسك يعالج مختلف جوانب الحياة. تحتاج القيادة الي مهارة في حشد الراي
العام واستقطاب التأييد وابقاء الجمهور علي بينة بما يجري. حماس فاشلة حتي الآن في
هذا المجال. انها تتقوقع علي ذاتها وتفشل في اشراك شرائح متعددة من الشعب
الفلسطيني، وما زالت تتصرف كفصيل فلسطيني يقوم علي القبلية والانطواء والانغلاق. لم
تتقدم حماس حتي الآن ببرنامج اقتصادي يوضح للفلسطينيين الخطوات الواجب اتخاذها من
اجل تجاوز الازمة والدخول في معركة الاعتماد علي الذات.
تنشغل حماس كثيرا في ردود الافعال حول تصريحات سياسيين عرب واجانب، وتستهلك بذلك
الكثير من الوقت والجهد. علي الرغم من صعوبة الحصار المضروب علي حماس، الا ان ذلك
يجب الا يشل قدرتها علي الاخذ بزمام المبادرة والتاثير علي حركة الشارع الفلسطيني.
يبدو ان حماس ماخوذة كثيرا بحجم الضغط الممارس، ومتأثرة جدا بعدم قدرتها علي صرف
رواتب الموظفين، لكنها من المفروض ان تعلم ان القادة العظام يظهرون في اوقات
الازمات.
بالرغم من قصور حماس وترددها في اتخاذ سياسات جريئة، من واجب الاقلام الفلسطينية
والاحرار الفلسطينيين والعروبيين والاسلاميين ان ينبروا في مواجهة المتحالفين مع
اسرائيل. هؤلاء الخونة والعرب امثالهم هم الذين يشكلون الخطر الحقيقي ليس علي
القضية الفلسطينية فحسب وانما ايضا علي مختلف القضايا العربية.
كاتب من فلسطين