الانتفاضات العربية 2011

    مرهف ميخائيل 

                                                                           2/5/2011

لو عدنا الى ماقبل 16 ديسمبر  كانون الاول 2010، لوجدنا أكثر الكتابات حول امكانية الانتفاضة العربية، تتميز  باليأس، والتشاؤم ، أو الخنوع والاستسلام للأمر الواقع ، ماعدا بعض  كتابات المناضلين، والمفكرين العرب القلائل، الذين حافظو ا على توازنهم  الثوري، وتفاؤلهم ،لا لشيء الا لكونهم يعتمدون على قناعات راسخة، ولدتها تجربة البشر وسجلها فلاسفة ومفكرون قلائل.  فالتراكم الذي حصل خلال  النصف الثاني  من القرن العشرين خاصة ، خلق الأجواء الملائمة لهذه الانتفاضات المجيدة ، ومهّد لها .وكنت من  الذين كتبوا حول امكانية حصول هذا النوع من الانتفاضات ..ففي عام  2003 كتبت مقالاَ حول ضرورة وحدة المعارضة السورية و العربية..وقلت بما معناه ان الثورة الاعلامية الحالية  ،والتقنية والتطورات السريعة الكونية،هي في طريقها لئن تتسبب بتطورات  نوعية على العالم وعلى وطننا العربي  أيضا،وكان من نتائج هذه الثورة الاعلامية والتقنية  هو ماحدث أولا في   المعسكر الاشتراكي سابقاً. الا انه من السذاجة القول ان هذا العامل هو الوحيد الذي أدخل كل هذه التطورات النوعية على الكرة الارضية والعالم العربي خصوصا ،ولكنه كان الشرط الضروري والملزم لحدوث مثل هذه التطورات  غير المتوقعة....في المقابل  كانت الشعوب  وخاصة منها العربية ترزح  منذ سنين طوال  تحت نير الاستبداد والفساد والتي مازال بعضها عصياُ  على التغيير ..وتحاول الأنظمة الحاكمة المستبدة  ان تحتمي بشتى انواع المراهنات والوصفات لكي لايصل اليها هذا الذي يحدث من حولها .الا انها مهما فعلت  ومهما حاولت، سوف يحصل لها ماحصل لجيرانها ...لأنّ الاستبداد والجمود،  وفقدان الشعوب لحرياتها، وحتى كرامتها ،وفرت لهذه التطورات شروطها الموضوعية.فقد ملت شعوب العالم العربي هذه الحكومات العاجزة  ،وغير الكفؤة لتسيير أمورها،  وإدارة  مقدراتها ..فكم من مرة  سمعنا عن تبزير  الاغنياء العرب اموالهم على اشياء تافهة مثل السهرات الليلية، وفي  ملتقيات القمار العالمية ....الخ  ،وكم من مرة سمعنا ورأينا كيف  يخون العرب  أمتهم وبلدانهم وقضاياهم المصيرية...ولايأبهون بشعوبهم ،ولا حتى بقيمهم  العربية الأصيلة ..فالشعوب العربية رغم كل المال والخيرات وماتحتويه أراضيهم  من الذهب الاسود والاصفر  وغيره من المعادن الثمينة والنادرة .رغم كل هذا الغنى المادي ، بقوا فقراء مذلولين لايستطيعون حتى أن ينتقدوا حكامهم  ويطالبوا بحقهم في هذه الاموال المسروقة، أواستعادة  الحريات المقموعة ...وكم من عربي دخل الى السجن ولم يخرج منها  حيا، لسبب بسيط هو أنه جاهر   برأيه  و كان يعرف بما يحدث ،  ولديه ادلة دامغة عن ذلك . فكلنا شاهد كيف دخل الجنود الامريكيون  والبريطانيون الى بغداد وكيف تم إسقاط  صدام حسين..ونحن هنا لاندافع عن صدام حسين كونه كان ديكتاتورا وانما ندافع عن ذلك العربي الذي تم إلقاء القبض عليه، ومن ثم تم اظهاره على شاشات التلفزة للعالم اجمع  وهم يفتشون في شعره بحثا عن القمل..كان منظرا مبكيا وموجعا لكل عربي ..كانت تقول لنا تلك الشاشات أنكم عرب مقملون مهانون.

نعم ،الشعوب العربية فقدت ثقتها بحكامها منذ زمن طويل ،ولكنها كانت لاتملك الوسائل ولاالحيلة التي تتخلص بها من هذه الحكومات العميلة والمأجورة ،والتي كانت السبب في تخلفها عن ركب الحضارة الحديثة،وفي الوقت نفسه فإنّ الحكام العرب يكرهون شعوبهم ويحتقرونها،  ويعتبرونهاا لعدو الاول  لهم  ،لأنهم يعرفون في أعماقهم أن هذه الشعوب لاتحبهم ولاتحترمهم ولسبب بسيط ،  لانها  جاءت  وتسلطت عليهم رغما عنهم ،  عن طريق احتكار السلطة وتحويلها الى حكومات عائلية وراثية، وإذلال  شعوبهم وافقارها، ومنعها  من تنفس هواء الحرية، وبذلك تمكنوا من وقف تقدم وتطور هذه الشعوب وإبقائها متاخرة ،ولكنها استطاعت  بفضل التقنيات الحديثة التي وصلت اليها متأخرة وبشروط  مذلة فرضها الحكام، ومع ذلك استطاعت  عن طريق شبابها ان تفتح طريقا للحرية باستعمال الطرق الحديثة في التواصل الاجتماعي / الفيسبوك، والتويتر، والانترنيت / .. الذين وجدوا بها ملاذاً آمنا بهذا الشكل أو ذاك ، وبعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية ، والمخبرين ، فتفاعلوا وتناقشوا ،وتحاوروا ، واختلفوا ،واتفقوا ، واستعادو ثقتهم بنفسهم ،وشقوا طريقهم الخاص إلى الحرية ، ونزلوا إلى الشارع كاسرين جدران الخوف ، ومطالبين بحقهم في الحرية والديمقراطية والكرامة.....وقد تفاجأ العالم أجمع بخطوتهم الجريئة هذه، وبالمستوى العالي من التنظيم والإدارة لتحركهم الجماهيري ، وحتى  العالم الغربي الذي يملك الشيء الكثير والمتقدم من  التقنيات الحديثةشملته المفاجأة  لأنّهم كانوا واثقين بقدرة عملائهم من الحكام على إبقاء هذه الشعوب خانعة مستكينة ، وجاءت المفاجأة الأولى والكبرى من تونس حيث يجثم على صدرها أكثر الأنظمة الأمنية العربية شهرة ، وبالرغم من ذلك استطاع الشباب التونسي أن ينظّم نفسه ، ويتواصل على صفحات / الفيسبوك، وتويتر / ويندفع إلى الشارع مطالباً بحقوقه الديمقراطية ، مستفيداً من الشرارة التي أطلقها بوعزيزي ،وقد استطاع أن يستقطب الشارع التونسي ، ويجبر الطاغية /بن علي/ على الهرب  وبذلك حطّموا جدران الخوف في الشارع العربي ، وكانت المحطة الثانية في مصر ، حيث استفاد الشباب المصري من خبرة الشباب التونسي ، وسلكوا الطريق نفسه ، واستطاعوا إسقاط / مبارك / والسير قدماً على طريق تفكيك نظامه ...

وهاهي الثورة السورية واليمنية والليبية..والبحرانية والاردنية والمغربية قد انطلقت ، والشباب العربي في هذه الأقطار يقودون النضال على طريق الحرية ،والكرامة ، والديمقراطية ، والنصر سيكون حليفهم لأنّ إرادة الشعوب هي الأقوى في نهاية المطاف ....