قوات التحالف الإعلامي السوري تفتك بشعبها

 

محمد منصور

2011-03-29


 

الإعلام السوري لا يحترم جمهوره ولا يحترم قضايا ناسه، ولذلك فالمسؤولون السوريون لا يحترمونه، بل يعاملونه كتابع ومستخدم... بالأمس وضعت قناة الإخبارية السورية خبرا عاجلا نقلا عن وكالة (إ.ف.ب) هو إعلان رفع قانون الطوارئ.
الفضائية التي أنشئت بأموال السوريين وقال لنا مديرها د. فؤاد شربجي انها (مستقلة يمولها المجتمع السوري) حرمها المسؤولون السوريون (بمن فيهم بثينة شعبان التي تربطها صداقة شخصية مع مدير القناة) من الانفراد بأهم خبر سياسي وحقوقي صدر في سورية منذ أكثر من أربعة عقود، الا وهو رفع العمل بقانون الطوارئ، الذي نشرته الإخبارية نقلاً عن وكالة أجنبية!
ليس هذا فقط، فتسريب الخبر الذي لم يوضع قيد التنفيذ بعد، لوكالة الأنباء الفرنسية، يعبر حقيقة عن تعالي السلطات السورية على مواطنيها، وكأنها تقول ان الخبر موجه للخارج وليس إلى الداخل، ولذلك لم تنفرد به (وسائل إعلامه) مع أن بثينة ردت بعنف أثناء حديثها مع قناة بي بي سي على مفوضية حقوق الإنسان، التي انتقدت في وقت سابق التناقض بين الأقوال والأفعال في حديثها عن الإصلاحات، ثم ضرب المحتجين وقتلهم واعتقالهم، وقالت إننا لا نعمل لدى مفوضية حقوق الإنسان..
لا أريد العودة للحديث عن هذا القرار الملتبس الذي تم اتخاذه، لكن السيدة شعبان قالت (إنها لا تعرف متى يفعّل) فهذا أمر مفهوم بالنسبة لغالبية الشعب السوري، الذين عاشوا على الوعود والتسويفات الإصلاحية منذ عقد ونيف، لكنني أريد أن أعود للحديث عن هذا الإعلام السوري الذي يدق بغبائه أسافين في نعش الاستقرار والنهوض من الازمة... مستخدماً كل الحجج والذرائع التي استخدمها نظيره المصري بلا أي تعديل، وأدت إلى سقوطه وسقوط النظام الذي كان يدافع عنه، شر سقطة!
حين يظهر وزير الإعلام السوري محسن بلال ليقول إنه لا شيء يجري، وان الهدوء يسود سورية، وانهم قبضوا فقط على بعض الإرهابيين والمخربين، فيما الناس ترى على المحطات الأخرى صوراً تقلع العين للمظاهرات والاحتجاجات في درعا ودمشق واللاذقية وحمص وحماه ودوما والمعضمية، فإنه لن يقول للشعب السوري بأكمله وبصريح العبارة: (أنا أكذب عليكم... فلا تصدقوني ولا تثقوا بإعلامي بعد ذلك) وحين تظهر بثينة شعبان لتقول على قناة (بي بي سي) إن هؤلاء مجموعات صغيرة جداً يظهرون في مدن كثيرة فيما الصور تكذبها، وتسحب منها أي رصيد للمصداقية يمكن الوثوق به، فإنها تقول للشعب السوري أيضاً نفس الكلام!
وحين يتهم التلفزيون السوري في سيناريو مكرر اعتاد عليه السوريون ردحاً طويلاً، عناصر خارجية مندسة، ويظهر اعترافات شاب مصري كل تهمته، حسب التلفزيون السوري، أنه (تلقى أموالا لقاء التقاط صور) فإن السوريين الذين يعيشون عصر الفيسبوك واليوتيوب وكاميرات الهواتف النقالة وكاميرات الديجتال، سيضحكون ملء أشداقهم من هذا الغباء الإعلامي الذي لا يصدق... فمواقع اليوتيوب باتت تحوي أطناناً من مقاطع الفيديو، التي يصورها مواطنون سوريون، ولا تحتاج لدس عميل مصري بهذه الطريقة الساذجة ودفع (مئة جنيه مصري) عن كل صورة!
الإعلام السوري يتعامل مع السوريين على أنهم مجموعة من الأغبياء والمعاقين الذين يصدقون أتفه السيناريوهات، والذين يعيشون تحت الأرض في ملاجئ ليس فيها فضائيات ولا انترنت ولا فيسبوك، ويرون شاشة التلفزيون السوري من خلال هوائي محلي من عصر الانفرادات الحصرية للتلفزيون اليتيم!
لقد اعتاد وزير الإعلام السوري أن يتحدث بنفس الصلف والعنهجية والإنكار الاستعلائي، الذي ظل يمارسه طيلة سنوات توليه الوزارة، من دون أن يقول له أحد من العقلاء والحكماء الذين يدعون الناس إلى التعقل والحكمة الآن: (عيب عليك... استح... كفى) واعتاد أن يخرج شهادات الوطنية والتخوين من جيبه المملوء بالعار المهني... من دون أن يقول له أحد قبل أن تخوّن الآخرين أصلح هذا الإعلام المنهار الذي تقوده منذ سنوات إلى قعر الهاوية!
لا نريد الآن أن نفتح سجل وزير الإعلام الحافل بقرارات المنع والمصادرة وإيقاف البرامج، وتعطيل المحطات، ومنع توزيع أعداد بعض الصحف الخاصة، وهواتف الاستعداء الأمني على الصحافيين والتنكيل بهم... فهذه محفوظة في سجله، والصحافيون الذين يوثقون هذا كله، لن ينسوا ولن يسامحوا ولن يغفروا أنه حول حياتهم إلى جحيم وعشقهم لمهنتهم إلى محنة... لكننا نريد أن نتأمل هذا الأداء الإعلامي المهين للشعب السوري، والمسيء للنظام القائم في واحدة من أصعب اللحظات التي تمر بها سورية... لقد جعل السيد الوزير من الإعلام، الذي يمثل صوت بلدي، سخرية القاصي والداني... وهو يضيف إلى تلك السخرية الآن، حالة التخريب التي يمارسها هذا الإعلام الكاذب والمزور، الذي يعطي صورة سوداء عن النظام الذي يمثله معه كل أسف!
في درعا هتف الناس ضد الإعلام السوري ورفعوا لافتات تندد به كما، نقلت صور إحدى المحطات... لقد تحول إعلام الكذب والسيناريوهات الغبية والاعترافات المصورة كاريكاتورياً، إلى رمز من رموز الكراهية، وإلى سلاح من أسلحة الاستفزاز، في الوقت الذي تتحدث بعض الأصوات عن تهدئة الخواطر واحتواء التوتر... وقد جر السيد الوزير ومعه الكتيبة الأمنية التي لا ترى في الإعلام سوى حالة ولاء أعمى وهتاف يلغي العقل والمنطق، القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية المسماة (خاصة) إلى نفس الدرك، فجعلوا منها قوات تحالف تنكل بالحقيقة وتستفز المشاعر... وقد اتصل بي أحد العاملين في قناة (الدنيا) السورية وهو يبكي ويقول إنه يشعر بالألم أن لقمة العيش تضطره أن يستمر في العمل في هذه القناة، التي وصفها أوصافا أربأ عن ذكرها، وهو يرى من داخل المطبخ كيف تزوّر الأخبار وتفبرك الاتصالات، وتقلب الحقائق... ثم يتهمون الآخرين بذلك، وهم يعلمون بينهم وبين أنفسهم أن التهم مردودة إلى نحورهم!
الخاسر الأكبر من هذا الإعلام الكاذب هو الوطن الذي يمر بهذه اللحظات العصيبة... ثم النظام الذي سكت عن حال الإعلام وعن بقاء وزيره متفرعناً كل هذا السنوات، وهو يصم أذنيه عما يكتب عنه من انتقادات مرة، ويستدعي من يقع تحت طائلة يديه إلى فروع الأمن ليجبرهم على كتابات تعهدات قسرية بالصمت وبلع الغصة والألم، من أجل أن ينعم السيد الوزير ومحظيوه بالمنصب والجاه والمكتسبات، فيما يشقى الإعلام بمزيد من الفشل المهني والعجز عن إيصال أية رسائل عادلة أو محقة إلى شعبه... لقد خسر الناس في وقت أحوج ما يكونون فيه إلى إعلام وطني صادق، خسروا صوتهم وصورتهم وألمهم، وصاروا مشردين بين المحطات يبحثون عن تأكيد الخبر أو نفيه من هنا وهناك، ويستجدون (الجزيرة) أو (العربية) أن تقف معهم كي تبدد سحب الكذب والتزوير التي تملأ سماء إعلام الوطن... فهل سأكون خائناً وعميلاً ومدسوساً إذا تجرأت على كتابة هذا الكلام، في هذه اللحظات التي ما عاد مقبولاً فيها السكوت على ما وصلنا إليه؟!
د. جورج جبور: الفرضية البريئة!
خلال مشاركته في برنامج (أجندة مفتوحة) على قناة (بي بي سي) عبر هيثم مناع عن ألمه من أن يدافع د. جورج جبور عن قتل شبان أكبرهم في سن أحفاده، وهو الذي كان مرشحاً لرئاسة مفوضية حقوق الإنسان، حين قال هل الذين قتلوا في الصنمين بعد هجومهم على مقر الجيش الشعبي كانوا يحملون حجارة ام يطلقون النار؟! إذا كانوا يطلقون النار على الجنود... فهل على من يحمل سلاحاً في الطرف الآخر ألا يطلق النار وينتظر حتى يموت؟!
سؤال يلقيه الدكتور جبور ببرود أكاديمي رصين، معتمداً على فرضية مدروسة، فهو لا يؤكد ان المتظاهرين مسلحون ولا ينفي... لكن هذه الفرضية (البريئة) تسمح له بأن يجد منفذاٌ للتشكيك، ولوضع الضحية والجلاد في مقام واحد... ما هذه اللعبة المكشوفة التي لا تنطلي حتى على ضمير د. جبور نفسه؟ ما هذه المراوغة التي تليق بشخص يظهر بالصوت والصورة من استوديو التبادل الإخباري في التلفزيون السوري، حيث يخلع الداخلون إلى هذا المبنى مصداقيتهم وولاءهم الأخلاقي لدم الشهداء عند مفزرة الأمن التي تحرس هذه المؤسسة الإعلامية... على من يضحك الدكتور جورج جبور، في هذه اللحظات التي يعيش فيها الشعب السوري ملحمة الحرية والحق والعدالة، بعد سنوات من الإذلال وامتهان الكرامة والفساد، الذي نأسف عميق الأسف، أن محاربته طيلة سنوات مجرد حبر على ورق؟! هل الأمر مجرد وجهة نظر؟! هل ستكون هذه هي وجهة نظر الدكتور جبور لو أن أحد أولاده أو أحفاده قتل على يد أجهزة الأمن وهو يخرج في تظاهرة سلمية (مندسة) للمطالبة بالحرية!
نعم... أضم صوتي إلى صوتك يا هيثم مناع الذي يشعر بالألم من أن يكون د. جبور، هو نفسه المرشح لرئاسة مفوضية حقوق الإنسان، لكن الألم لا يكفيني هنا... فأنا أشعر بالعار من أن يكون دم السوريين رخيصاً عند رجل كان عضوا في مجلس الشعب... الشعب الذي لم يحصد من أعضاء المجلس المؤتمن على مصالحه... سوى مثل هذه المكافآت من قبل ومن بعد!
ناقد فني من سورية
 

mansoursham@hotmail.com