الاستعصاء ...والتدمير الذاتي

مقترحات مطروحة للنقاش للخروج من المأزق الراهن

                                                                                 محمود جديد

 

       أتّمت الانتفاضة في سورية شهرها الحادي عشر ، وفي وقت يبدو فيه الاستعصاء متعدّد الوجوه والأشكال يخيّم على المشهد السياسي ... فالنظام بكلّ جبروته وطغيانه عجز عن إخماد الانتفاضة ... ، والحراك الشعبي بكلّ تعبيراته لم يتمكّن من فرض إرادته على هذا النظام المستبدّ الفاسد ، ولا ( الجيش السوري الحر ) استطاع فرض وجوده على الساحة السورية ، والفوز باحترام أكثرية الشعب السوري ، ولا يزال يفتّش عن أرض مناسبة  يرتكز عليها ، وعن مرجعية سياسية تشكّل غطاءً له ، بالرغم من أنّ العديد من فصائل المعارضة تغازله عن قناعة ، أو تملّق ... والجامعة العربية فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب هيمنة الدول الخليجية عليها ، وضمور  دور وفعالية الأقطار العربية المؤثّرة فيها تقليدياً ، ولتذبذب مواقفها ، وتسرّعها في قذف الكرة من يدها الى مجلس الأمن ، وتنكّرها لخطتها التي اعتمدتها في الثاني من شهر تشرين الثاني / نوفمبر / الماضي ....وعجز الدور التركي عن التعبير عن موقف  واضح وثابت ، ممّا أضفى عليه طابعاً ديماغوجياً وعاجزاً عن التأثير الإيجابي في مجرى الأحداث ... كما أنّ الإيرانيين  يتململون ، قلقين ، ومربكين بأمورهم الداخلية ، وبملفّهم النووي ...والغرب بشكلٍ عام ليس مستعدّاً - على مايبدو - للمغامرة في منطقة مليئة بحقول الألغام القابلة للانفجار في أوقات يصعب التكهّن بها ، كما أنّ ظروفه السياسية والاقتصادية والعسكرية لا تؤهٌله لخوض مغامرة جديدة ...وفي وقت برز فيه الدور الروسي -  الصيني فاعلاً في الأزمة السوريةه داخل مجلس الأمن وخارجه ، مع وجود مؤشّرات على انتهاء عصر القطب الواحد كما أثبت استخدام فيتو مزدوج مرّتين في مسائل خارج دائرة الأمن المباشر للدولتين ... وإنّ جميع الأطراف تنتظر ما يجري في هذه الأيام على الأرض السورية من عملية كسر العظم بين النظام من جهة ، والانتفاضة ،  والجيش الحر ، والمجموعات المسلّحة التي تعمل خارج أجنذة الانتفاضة  من جهة ثانية ، وكيفما كانت النتيجة ، فالمتوقع أن يتحوّل العنف الى ظاهرة مزمنة ، وبوتائر متفاوتة جرّاء انتشار السلاح على نطاق واسع داخل سورية ، أو أن يتصاعد بشكل حاد، ممّا يدفع  سورية نحو  أتون حرب أهلية لا يمكن لأحد أنْ يتكهّن حدود عاقبتها الوخيمة المدمّرة ... 

وكنتيجة لما تقدّم ذكره ، وحالة الاستعصاء الراهنة على الصعيد الداخلي والعربي ، والإقليمي ، والدولي ، يبدو أنّ المخطط الغربي الراهن تجاه سورية يستهدف تعفين الوضع الداخلي أكثر فأكثر ، وإلقاء الزيت على النار الملتهبة ، عن طريق التمويل والتسليح وتصعيد العسكرة ، مع تشديد الحصار الاقتصادي ، ورفع وتيرة التجييش الطائفي ...، وذلك كلّه ، من أجل تدمير سورية ذاتياً بأيدي أبنائها ، وبأقّل تكلفة مادية وسياسية وبشرية من قبل الغرب ، وبتجنّب المحاذير والانعكاسات الأمنية على الكيان الإسرائيلي ..، وفي حال وصول الأمور الى هذه الحالة قد يصبح التدخٌل العسكري الخارجي مطلباً شعبياً ، وبالتالي ستدفع سورية بمعارضتها وموالاتها الثمن مضاعفاً دماراً وخراباً، وانتهاكاً خطيراً لسيادتها ، وحرمة أراضيها ، وتمزيقاً لوحدتها الوطنية وترابها الوطني ، وهكذا سيكون الجميع خاسرين ، والرابحون هم أعداء أمتنا بكافة تصنيفاتهم . 

ونظراً لاشتداد الأزمة ، وبقاء النظام متماسكاً سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً الى حدّ لا يُستهَان به حتى الآن  ، وإمكانية تعايشه مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأمد طويل بمساعدة حلفائه ،ولذلك من المحتمل أن تستمرّ حالة الاستعصاء الراهنة فترة طويلة ، ومع ما يرافقها ، وينعكس عنها من  معاناة مريرة لشعبنا وانتفاضته ، ونزيف مستمر لدماء السوريين ، ومن تدمير وتخريب للاقتصاد الوطني وبنيته التحتية ، لهذا كلّه ، نطرح الأفكار التالية  للنقاش والحوار من أجل التوصّل الى الصيغة الأفضل لمعالجة الأزمة السورية الراهنة المعقّدة ، والمركّبة ، والمتشابكة داخلياً وعربياً ودولياً :

 

١ - اعتماد خطة الجامعة العربية المؤرّخة في ٢ تشرين الثاني / نوفمبر الماضي كقاعدة انطلاق وأساس للحوار والعمل من جهة ، وللضغط على كافة الأطراف المعنية ( نظام ، ومعارضة ) من جهة ثانية ، وخاصة أنّ النظام السوري سبق أن وافق عليها ، كما وافقت عليها  أيضاً الأغلبية الساحقة من المعارضة السورية ، وكذلك أطراف عربية ودولية فاعلة ، على أن يتركّز هذا الضغط في البداية على إيقاف العنف من أي مصدر كان ، وإيجاد الآلية العملية لذلك ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين قبل الانتفاضة ، وأثنائها ، والإشراف على تنفيذ ذلك من قبل الجامعة العربية مع استبعاد الأقطار التي تشكّل حساسية خاصة للطرفين ، وبمشاركة منظمات حقوق الإنسان السورية والعربية  ...

٢ - عقد مؤتمر عام للمعارضة السورية في الداخل والخارج تحت إشراف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية كما كان مقرّراً في السابق للتوصّل الى رؤية سياسية موحٌدة للدخول في المرحلة الانتقالية التي أشارت إليها خطة الجامعة العربية ، وبشروط قابلة للتطبيق ، بعيداً عن الإقصاء والتهميش لأي قوة سياسية أو حزب ، وعن الانفراد والإستئثار بالتمثيل . 

٣ – إطلاق حوار وطني شامل من أجل عقد مؤتمر سوري عام يشارك فيه ممثلون متفق عليهم من مؤتمر المعارضة ، وعن النظام السوري ، وتحت إشراف الجامعة العربية ، وبضمانات عربية ودولية  ينبثق عنه ميثاق وطني ( عهد وطني ) ملزم للجميع يحدد فترة المرحلة الانتقالية ، والأسس العامة للحياة السياسية في سورية خلالها ، وتٌدمج بنوده الأساسية في دستور جديد ، كما يختار رئيس حكومة جديد من المعارضة ، ويمكن أن يقوم هذا المؤتمر بمهام برلمان مؤقت حتى انتخابات تشريعية جديدة . 

٤ - تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية معارضة مستقلّة ، على أن تكون حكومة مخوّلة بصلاحيات الحكومات في بلدان الأنظمة البرلمانية  ، أي تتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة ، وتُكلّف بتشكيل لجان تحقيق لمحاسبة كلّ مَن ارتكب جرائم بحق الشعب والوطن ، كما تقوم هذه الحكومة بالتعويض المادٌي للمواطنين المتضرّرين. 

٥ -  السماح بعودة  المبعدين والمنفيين قسراً ، أو طوعاً الى خارج سورية ، سواء كانت بحقهم أحكام سياسية أم لا  ، والتعويض المادّي عن حقوقهم المهضومة ، وإيجاد الفطاء  القانوني لذلك كلّه . 

٦ - إنهاء تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ، وإلغاء العقوبات المفروضة عليها . 

٧ - مطالبة الأطراف العربية والدولية بوقف كلٌ أشكال التدخّل بالشؤون السورية ، وضبط الحدود مع القطر السوري ، وإيقاف التصعيد الإعلامي ، والتجييش الطائفي من أيّ مصدر كان . 

٨ - اعتبار القوانين التي صدرت لتنظيم الحياة السياسية في سورية ، وكذلك مشروع الدستور الجديد المطروح على الاستفتاء عبارة عن مشاريع قابلة للتعديل والإغناء ، وتكلّف لجان خاصة منبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني لمتابعة هذه الأمور، بالتعاون مع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة . 

 

٩- تُجرَى انتخابات ديمقراطية تشريعية  بعد عام من بدء المرحلة الانتقالية ، وخلال هذه الفترة يتم تشكيل الأحزاب بناءً على القانون الجديد ، أو إعادة تشكيلها إذا كانت أحزاباً قديمة وفقاً لهذا القانون،وبذلك تكون جميع الأحزاب  مهيّأة لخوض انتخابات حرة ونزيهة . 

 

١٠- تُجرَى انتخابات رئاسية في العام الذي يلي الانتخابات التشريعية وضمن الفترة المتبقية من الرئاسة الحالية ،  وبذلك يتمّ استكمال الانتقال السلمي للسلطة وإجراء التغيير الديمقراطي الشامل بسلاسة .

 

   - وأخيراً ، نستطيع القول : إنّ الحلّ السياسي للأزمة المستعصية في سورية ليس هو الحل المثالي والسريع الذي تحلم به المعارضة ، ولكنّه أقلّ سلبية من الحلول التي تعتمد القوّة والعسكرة ، لأنّه يحافظ على سورية موحّدة قابلة للاصلاح والتطوير ، بينما الحلول الأخرى قد تؤدّي بها الى الدمار والخراب ، وعندئذ لن نجد سورية التي نعرفها ،كما أنٌ الأفكار المقترحة  الواردة في هذا المقال مطروحة للنقاش ، والإغناء ، وعلى  أيّة حال ، وانطلاقاً من من حرصنا على وحدة سورية أرضاً وشعباً ، وتجنيبها مخاطر التدخّل الخارجي ، والاقتتال الداخلي ، فإنّنا ندعو جميع القوى والشخصيات الوطنية لطرح ما لديها من تصوّرات وآراء لمناقشتها بكل شفافية ، وصولاً الى حلّ عملي ، قابل للتطبيق ، ويحقّق الهدف المنشود  .

في 18 / 02 / 2012