ثقافة المقاومة بديلاً لثقافة الارهاب أو المداهنة

 

فوزية ابو خالد


 


لا نريد أن ينفرط من بين أيدينا ولا أن يغيب عن عيوننا ولا أن يستبعد من عقولنا تاريخ ما يزيد علي شهر من المقاومة المشروعة الشرسة في الرد علي حرب لم تكن تطمع في أقل من ابادة 577 شعبا كاملا، وقتل نسغ المقاومة أني وجد. فليس لجمرة المقاومة التي شاركت أكف قريبة وبعيدة في التمسك بشرارات أملها، أو في التداوي باكتواءاتها أن تنحل ـ لا سمح الله ـ الي رماد أو تتحول الي ذكري جذوة تبعدها الأيام عنا شيئا فشيئا أو يشغلنا عنها انغماسنا في حياة ليست حليفة لأمانة دم الأطفال الذين اغتالتهم يد العدوان عنوة دونما ذنب، ولا وفية لدم الشهداء الذين أطعموا زهرة أعمارهم لفعل المقاومة بما ترمز اليه من تعلق بالعدل والجمال وحب للحرية وللأوطان وللكرامة الانسانية.
لقد انطلقت يوم الثاني عشر من تموز لهذا الصيف في سماء لبنان وشبت في مراقدنا ومواقدنا المطفأة شعلة طالما اكتوت أصابعنا بمحاولة اشعالها في وجه ما لف ويلف منطقتنا من ظلم وظلام لأكثر من نصف قرن، الا أن تلك المحاولات كثيراً ما تعرضت للافشال أو الفشل، كما تعرضت لعمليات التشكيك والتسفيه والاخماد واهالة الرمل.
تلك الشعلة هي شعلة ثقافة المقاومة التي جرت محاولات مستميتة متتالية لتحويلها الي ثقافة المساومة والرضوخ باسم الواقعية والبراغماتية أواستبعدت تماما ليحل محلها اما ثقافة الارهاب أو ثقافة المداهنة، ابتداء من معاهدات السلام آخر السبعينيات الذي لا يشبه بشروطه غير العادلة الا الاستسلام الي اتفاقيات التسويات في التسعينيات التي لا تؤسس بتنازلاتها من طرف واملاءاتها من الطرف الآخر الا لعكس السلام الي عولمة الرعب الأمريكي التي تبعتهما مطلع الألفية الثالثة تحت شعار (محاربة الارهاب) لتقوم بآخر محاولات القضاء علي ما تبقي من رمق الحلم بها.
ان ما جري علي أرض لبنان علي امتداد شهرين هو في رأيي رد اعتبار لثقافة المقاومة التي تعرضت علي مدي ما يقارب ربع قرن من الزمن الي عملية تصفية مقصودة ومحمومة حاولت أن تمحو كل كلمة في اللغة المكتوبة أو المحكية تحمل معني مقاومة أو تشكل أحد مشتقاتها أو أحدي المفردات المرتبطة بها أو المعبرة عنها. ولهذا فقد حيد تحرير المقاومة لجنوب لبنان عام 2000 بعد اثنين وعشرين عاما من الاحتلال الاسرائيلي، وتم التعامل معه علي أنه استثناء، كما ظلت الانتفاضات اليومية المتلاحقة علي أرض فلسطين تعامل بنفس الحياد، حيث يتم تحاشي ـ ان لم نقل محاربة- كل امكاناتها الخلاقة التي يمكن أن تؤدي الي استبدال ثقافة المهادنة أو الانسحاب أو التيئيس أو الاستئناس كل حسب موقعه الجيوسياسي بثقافة المقاومة.
لقد خلقت مواجهة لبنان الأخيرة نوعا بسيطا ومركبا من ثقافة المقاومة لم يكن للبنانيين أن يحتملوا وحشية الحرب الاسرائيلية علي المدنيين لشهر متواصل بدون أسلحتها السلمية في محاربة الموت بالحياة.
وثقافة المقاومة التي واجه بها الشعب اللبناني تلك الحرب لعبت دورا نشطا وتاريخيا لن ينسي بل ربما يصير مثلا مثل مواجهة فيتنام للجيش الأمريكي والجزائر لفرنسا ومواجهة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا في تحريك حس المقاومة وفي نشر ثقافتها ليس علي مستوي لبنان وحسب، بل علي مستوي العالم.
لقد رأينا في بداية الحرب ذلك التحفظ أو التجاوب البارد من العالم تجاه ما كان يتعرض له لبنان من حرب اسرائيلية عدوانية عليه، ولم يكن ذلك البرود علي مستوي الحكومات وحسب بل حتي علي مستوي عدة مجموعات من المثقفين العرب وغير العرب وعلي مستوي الشارع العربي والعالمي. غير أن ذلك الترقب الحذر والمحايد لما يجري علي الساحة اللبنانية ما لبث أن شهد تحولا جارفا خصوصا علي مستوي الشعوب في موقفه من لبنان ومقاومته المشروعة.
ويمكن هنا أن نتحدث عن مجموعة من أفعال المقاومة التي سجل الشعب اللبناني عبر تراكمها اليومي خلال شهر من الزمان نسيج ما نسميه اعادة انتاج ثقافة المقاومة، تلك الثقافة التي كادت أن تقضي عليها وعلي تاريخها عربيا وعالميا موجة الترهيب الأمريكي خصوصا بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر